سيناريوهات ما بعد انعقاد المركزي
تواصلت ردود الأفعال الرافضة لاجتماع المجلس المركزي الذي افتتحت أعمال دورته الحادية والثلاثين أمس الأحد برام الله، بحضور أعضاء جدد قام رئيس السلطة محمود عباس بتعيينهم في ظل مقاطعة فصائل وشخصيات وطنية وازنة لأعمال المجلس، "لاعتباره يعزز الانقسام في اختيار توقيت غير مناسب في ظل أوضاع ساخنة لا تملك السلطة أية خيارات للتعامل معها"، وجاء انعقاد المجلس في إطار استمرار أبومازن بسياسة التفرد والإقصاء المتعمد لفصائل بعينها ورفض إصلاح المنظمة أو تحقيق الوحدة الوطنية أو حتى تطبيق قرارات الدورة السابقة للمجلس والتي عقدت عام 2017 بظروف لا تختلف كثيرا عن الدورة الحالية.
مركز الدراسات السياسية والتنموية عقد ورشة في أعقاب انعقاد المجلس تحت عنوان: "سيناريوهات ما بعد انعقاد المجلس المركزي" حضرها شخصيات قيادية من الفصائل المعارضة والمقاطعة لأعمال المجلس، وقدموا خلاله عددًا من التصورات والسيناريوهات الممكنة لمواجهة هذا النهج الانفرادي والإقصائي.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أكبر فصائل منظمة التحرير المقاطعة للمجلس أعلنت رفضها عقد المجلس باعتباره يزيد من وتيرة الانقسام، ولا يخدم الحالة الوطنية بأي شكل محذرة من عواقب عقد هذه الجلسة وما يصدر عنها من قرارات، مؤكدة في نفس الوقت على أن تلك القرارات ستكون فاقدة للشرعية ولا تمثل الشعب الفلسطيني ولن تكون ملزمة له بأي حال من الأحوال.
القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هاني الثوابتة قال خلال كلمته: "جلسة المجلس المركزي لتنصيب أزلام أوسلو وإعادة ملء شواغر المنظمة، ولن يكون لانعقادها أي صدى سياسي سوى تكريس الهيمنة على منظمة التحرير ومؤسساتها وتكريس للفردية في اتخاذ القرار وتكريس الانقسام"، مشيرًا إلى أن الساحة الفلسطينية لم تنقسم، وأن أغلبية ساحقة من أبناء شعبنا عزلت نفسها عن هذا المجلس الانفصالي.
وأضاف: "خطاب عباس في الاجتماع هو إعادة إنتاج لخطابات قديمة، استمعنا لنغمة عتاب على الإدارة الأمريكية، وكأنه يقول: مازلنا متمسكين باتفاق أوسلو والاحتلال هو المقصر". موضحًا أن "عباس يكرس الانقسام بالذهاب إلى عقد المجلس المركزي، والجبهة الشعبية قدمت موقفًا واضحًا"، وقال: "لن نكون شهود زور ولن نمنح عباس النصاب القانوني ولن نكون مطية لعباس وفريقه"، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطيرة جداً، - وبحسب الثوابتة - فإن الجلسة لم تقدم أو تؤخر شيء وكل ما صدر عنها حبر على ورق، ويحب أن نوحد كل امكانياتنا لمواجهة هذا التفرد بالقرار الوطني الفلسطيني والاستفراد بالمنظمة.
الثوابتة طرح مبادرة جديدة خلال الورشة وهي:
- تشكيل قيادة مقاومة شعبية لتفعيل وتصعيد الاشتباك مع الاحتلال، هذا هو الرد على التفرد بالقرار الوطني.
- ثم وضع برنامج لهذه القيادة وبذلك ينعزل من هو ضد مقاومة شعبنا، وإذا اندلعت الشرارة ستكون مدعاة لالتحاق كافة أبناء الشعب في قيادة المقاومة الشعبية.
حركة المبادرة الوطنية بدورها قاطعت أعمال المجلس مطالبة أبومازن بتهيأة ظروف أفضل لعقده باعتبار الإصرار على عقده سيعقد المشهد ويعزز الانقسام، وقالت: منظمة التحرير ملك للشعب الفلسطيني بأكمله يجب الحفاظ عليها كممثل للشعب الفلسطيني لا نها تعبر عن جميع أبناء شعبنا وقدمنا لأجلها الكثير من الشهداء والدماء للوصول إلى هذا الإنجاز أن يتحدث الفلسطيني باسمه لذلك يجب أن يتوافق الجميع على وضع خطة كفاحية موحدة خاصة في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها القضية الفلسطينية".
د. عائد ياغي نائب أمين عام الحركة بين خلال كلمته أسباب الأزمات السياسة الفلسطينية على النحو التالي:
- الاحتلال وممارساته اليومية في الضفة والقدس وحصار غزة وتأخير الإعمار والاستيطان وعمليات التهجير، والاتفاقيات السياسية والأمنية مع الاحتلال، خاصة أن هنام فريق يؤمن بالحل السياسي مع الاحتلال.
- الوضع العربي الراهن وتفكيك الحاضنة العربية بسبب الهرولة نحو التطبيع
- الانقسام الفلسطيني وتداعياته على الحالة السياسية والتوافق الوطني الفلسطيني.
ياغي ذكر أن عباس عطل المصالحة والانتخابات الفلسطينية مما عمق الأزمة السياسية الفلسطينية، بدلًا من أن يكون المجلس المركزي رافعة للقضية الفلسطينية وأن يضم كافة الفصائل الفلسطينية، مشيرًا إلى "أن عباس يهدف من عقد المجلس المركزي تجديد الشرعيات وملء الشواغر بمؤسسات المنظمة للتجهيز للمرحلة المقبلة".
وأوصى ياغي بضرورة تركيز الفعل الوطني الفلسطيني على عدة محاور:
- تصعيد المقاومة الشعبية خاصة في الضفة الغربية المحتلة.
- مواجهة إجراءات التهويد والفصل العنصري التي تقوم بها قوات الاحتلال.
- دعم صمود الناس في غزة والضفة ومناطق جيم والأماكن المهدد بالهدم والتهجير، لان الصراع على الأرض والإنسان.
- الاستمرار بالضغط من أجل إجراء الانتخابات كاملة شاملة، لا يحق أن يختزل قرار وطني بمئة شخص من أصل 14 مليون فلسطيني في العالم.
- الاهتمام بالتقارير الدولية التي تصنف اعمال الاحتلال بالعنصرية الابارتهايد، فهي تعتبر ورقة قوة للفلسطينيين، والاستمرار بدعم حملة المقاطعة الدولية.
من جانبها قالت حركة الجهاد الإسلامي إنها لا ترغب في الانضمام للمنظمة وإنما في إطار الاستجابة للضغط الوطني وقال عضو المكتب السياسي للحركة خالد البطش: "نحن وافقنا على الدخول بالمنظمة على أساس إعادة بناء مؤسساتها وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، ونحن لسنا في العراء من دون المنظمة، الجهاد وحماس شكلتنا حالة دعم وإسناد للقضية الفلسطينية وقدمنا الكثير من الدماء والشهداء، كما أن الطريق للتحرير يمر عبر المقاومة وليس عبر المنظمة".
وأضاف البطش خلال كلمته: "عقد المجلس بهذه الطريقة وإدارة الظهر للكل الفلسطيني وحسم الخيارات لصالح مشروع التسوية على حساب الكل الفلسطيني هو مسار خاطئ، وتداعيات هذا الاجتماع ستعمق الأزمة بالمشروع الوطني الفلسطيني وتزيد من حالة المناكفات السياسية بين الشرفاء في هذا الوطن، والمستفيد خصوم القضية".
ورأى أن نتائج المركزي تمهد الطريق أمام فريق التسوية لاستئناف العملية بين السلطة والاحتلال، وستفتح الطريق أمام المزيد من التطبيع وستكرس تشريع دولة الاحتلال بالمنطقة كدولة صديقة يمكن التعايش معها، وهذا الاجتماع سيؤدي إلى تراجع القضية الفلسطينية كأولوية لدعمها، متسائلاً: "هل لازالت المنظمة لديها قبول لإعادة بناء مؤسساتها؟!" موضحًا أن الطريق لبناء المنظمة مقيدة باتفاقيات تكبلها.
وأضاف البطش "جزء من مخرجات المركزي ستكون إضفاء الشرعية وملء الشواغر وإحكام القبضة على المنظمة والقرار الوطني الفلسطيني". وأكد على:
- حركة الجهاد الإسلامي ستحافظ على علاقة وطنية مع كل الشرفاء على الساحة الفلسطينية؛ لكن منطق الالتفاف السياسي لم يعد مجديا وننصح الجميع بالعودة عن ذلك،
- الدعوة إلى الاشتباك مع الاحتلال لفرض وقائع على المحتل لأن مسار التسوية السياسية ليس خيار شعبنا.
حركة حماس فرضت نفسها خلال ثلاثة عقود من انطلاقها واستحوذت على قاعدة شعبية وضعتها في صدارة الفعل الوطني من خلال مضيها في مشروع المقاومة ومراكمة أساليب منوعة لمواجهة الاحتلال، وقدمت آلاف الشهداء في سبيل تحرير الأرض والإنسان، وهي بدورها ترفض الدخول في منظمة التحرير قبل تصويب مسارها وترميم وإصلاح مؤسساتها المختلفة، وترفض المشاركة في أعمال المجلس المركزي، ودعت الفصائل المختلفة لمقاطعته.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس د. صلاح البردويل رأى: "أن من يقود المنظمة هو فريق يستقوى بالاحتلال والرباعية الدولية ويقوم بتمزيق الشعب الفلسطيني والوحدة الوطنية ويرفض الشراكة ويريد من الجميع أن يكون ملحقًا وليس شريكًا ويفرض الوقائع اليومية ويقمع الروح الوطنية ويمارس التضليل وخداع الشعب. بينما الفريق الفلسطيني الآخر هو فريق المقاومة الذي يحافظ على الثوابت في خطابه وعلى الأرض هو من قاد مسيرات العودة وغرفة العمليات المشتركة ويقاوم التطبيع ويلاحق الاحتلال وجرائمه في المحافل الدولية". معتبرًا أن الانقسام "فكري وأيدلوجي".
وأوضح البردويل أن حركة فتح اختطفت منظمة التحرير منذ العام 1974، وقال: "منظمة التحرير يقودها أفراد من حركة فتح لا يبلغ عددهم 5 أشخاص، خطفوا المنظمة والقرار الوطني ودماء الشهداء ووضعوا النياشين على صدورهم، ومزقوا دساتير المنظمة وقسموا حركة فتح نفسها"، وأضاف: "في الحقيقة لا توجد منظمة تحرير، ونحن في حماس لا نريد الدخول في المنظمة ولا نطلب ذلك ولا تعنينا في شيء إن كانت رهينة وأسيرة، بينما إذا كانت حريصة على الشراكة فنحن جاهزون".
وعن سيناريوهات ما بعد انعقاد المجلس المركزي قال:
- نسعى لتجميع قوى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج هناك 14 مليون فلسطيني.
- قوة غزة وثورة ال 48 والبركان الثائر في الضفة أكبر شرعية من المركزي وأكبر قوة نووية في العالم.
- علينا أن نقرأ قراءة حقيقية للقوة التي نملكها وتجميعها وصياغتها ومواجهة الاحتلال بها وليس بالمنظمة.
- لدينا قوة؛ قادرون أن ننفي كل الغبار والخبث من طريقنا وأن نصنع مسارًا سياسيًا محترمًا.
- لا نريد قوة تستعبد الشعب الفلسطيني كما فعلت حركة فتح.
- قادرون على ممارسة كل أنواع الضغط على الاحتلال.
الأمين العام لحركة الأحرار الفلسطينية خالد أبو هلال حضر الورشة وقال خلالها: "من يقود المجلس المركزي هو فريق صغير من حركة فتح، وقراراته ستكون بلا رصيد وستلتحق بالقرارات السابقة التي لم تنفذ، فإصلاح المنظمة أمر مستحيل في ظل هذا الفريق".
وطرح أبوهلال باسم حركة الأحرار مبادرة لتشكيل مجلس وطني توافقي مؤقت في غزة والضفة وفي مناطق 48 والشتات يمثل الكل الفلسطيني باستثناء فريق أوسلو، يكلف باختيار قيادة مؤقتة تكون مهمتها استعادة المنظمة ومؤسساتها.
في ذات السياق اقترح الإعلامي الفلسطيني د. أحمد الشقاقي في مداخلته:
- ضرورة البحث عن مسارات أخرى لإصلاح منظمة التحرير
- إقرار المبدأ الكفاحي للتعامل مع الاحتلال من خلاله.
- عقد "الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير" الذي سبق الاتفاق عليه بدون فريق السلطة ومحاولة تحقيق نصاب قانوني لعقده.
رئيس تحرير صحيفة فلسطين رامي خريس قدم مقاربة لاستنقاذ منظمة التحرير بدون التسبب في هدمها ومحاسبة الخاطفين باعتبار ما يتم ممارسته شكل من أشكال الجريمة السياسية بحق الشعب الفلسطيني.
رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية مفيد أبوشمالة شكر المشاركين في الورشة على كل ما تقدموا به، مؤكدًا أن الهدف من عقدها جاء للبحث عن الخيارات البديلة وذات النتائج الأفضل للقضية الفلسطينية كرد النخب السياسية والوطنية على الخيارات العدمية أحادية الجانب التي انتهجتها قيادة السلطة بإصرارها المضي في عقد المجلس المركزي في ظل المقاطعة الواسعة لأعماله، وانعدام النصاب القانوني والسياسي لدورته الراهنة.