حسين الشيخ يحتل مكان عباس تدريجياً
يوني بن مناحيم
بدأ حسين الشيخ، وهو مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية وأحد المقربين الثقات من محمود عباس، بملأ مكان رئيس السلطة الفلسطينية.
مع احتدام معركة الخلافة، ينشر كبار مسؤولي فتح أنباء كاذبة عن وفاة عباس.
يعتقد مسؤول كبير في فتح أنه بعد وفاة عباس، سيحل محله الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني مؤقتا، روحي فتوح، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية.
يراقب مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون حالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقلق. وأفاد مسؤولون كبار في فتح أن شيئًا ما يحدث لعباس البالغ من العمر 86 عامًا. فقد قلص من نشاطه واجتماعاته، ولم يشارك إلا في الاجتماعات المهمة ويترك الأمور الأخرى لحسين الشيخ المقرب منه.
استضاف عباس يوم السبت 11 يونيو 2022، وفدًا أمريكيًا برئاسة باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، التي جاءت لوضع الأساس لزيارة محتملة للرئيس بايدن إلى المنطقة. وقد هدد عباس بتعليق العلاقات والتنسيق الأمني مع (إسرائيل) مرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، طالب الإدارة الأمريكية بإعادة فتح القنصلية في القدس ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وشطب منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية.
في الأسبوع الماضي، التقى الشيخ، الذي يتولى منصب المرحوم صائب عريقات، مع القناصل الأجانب والمبعوث الأمريكي هادي عمرو، حيث ناقش معهم مطالب السلطة الفلسطينية للإدارة الأمريكية.
بعد اجتماع عباس في 11 يونيو مع الوفد الأمريكي برئاسة باربرا ليف، أجرى الشيخ مناقشة مفصلة مع المجموعة. وبحسب وكالة وفا للأنباء، فقد أعرب المسؤول الفلسطيني عن عدد مطالب:
التأكيد على ضرورة إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وشطب منظمة التحرير الفلسطينية من قوائم الإرهاب طبقاً لقوانين الكونجرس الجائرة بحق الشعب الفلسطيني، وتحدث عن الجوانب الاقتصادية وضرورة استئناف المساعدة للسلطة الفلسطينية، وكذلك الإجراءات الأحادية التي من شأنها تقويض حل الدولتين وفرص السلام، خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية، لا سيما الأزمة المالية في السلطة الفلسطينية بسبب حجب الاحتلال لأموال الضرائب المستحقة لنا.
منع التسريبات:
لم يكن تسريب قناة بي بي سي العربية في نهاية الأسبوع عن نقل عباس على عجل إلى المستشفى ونقل بعض صلاحياته إلى الشيخ مصادفة.
ويقول مسؤولون كبار في فتح إن هذه الأخبار الكاذبة كانت تهدف إلى تقويض العلاقات الوثيقة بين عباس وحليفه الموثوق حسين الشيخ. ونفت السلطة الفلسطينية التقرير بشدة، واضطرت قناة البي بي سي إلى حذفه من موقعها على الإنترنت.
حسين الشيخ من جهته لا يهدأ ويجلس جانباً. منذ أن فوضه عباس قبل أسبوعين بتولي منصب الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فهو يعمل بنشاط على عدة جبهات لتعزيز مكانته كخليفة محتمل لعباس.
يفعل الشيخ كل ما في وسعه للبقاء المرشح الأكثر حظاً لخلافة عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية ورئيس فتح. ويقول مسؤولون كبار في فتح إنه هو الذي أرجأ المؤتمر الثامن لحركة فتح إلى موعد غير معروف سعيًا لمنع انتخاب كبار مسؤولي فتح في مناصب رئيسية تمكنهم من تحديه في معركة الخلافة.
المنافس الرئيسي للشيخ هو الأمين العام لحركة فتح جبريل الرجوب والذي يسعى لشغل منصب نائب رئيس الحركة بدلاً من محمود العالول.
وقد أفادت صحيفة الأخبار اللبنانية، في 6 يونيو 2022، أن الخلافات الحادة بين كبار أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بدأت تهدد مستقبل الحركة. ويعارض معظم كبار قادة فتح احتمال أن يصبح الشيخ زعيماً لهم في المستقبل.
وقد عبرت شخصيات بارزة أخرى في فتح عن استيائها من تعامل عباس مع شؤون الحركة وأداء حكومة رئيس الوزراء محمد اشتية.
وهناك غضب شديد من تعيين عباس لحسين الشيخ أمينًا عامًا للجنة التنفيذية دون إجراء انتخابات داخلية كما تتطلب اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويقول مسؤولون كبار في فتح إن هذا يضر بشعبية الحركة وسبب لها خسارة عدد من الانتخابات الداخلية لمؤسسات في الضفة الغربية، وأبرزها مجلس طلاب جامعة بير زيت.
يذكر أن سمعة الشيخ تضررت في الشارع الفلسطيني بشدة في السنوات الأخيرة من خلال تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية ووسائل الإعلام الإسرائيلية تتهمه بالفساد والتحرش الجنسي.
اشتداد معركة الخلافة:
يتنافس كبار مسؤولي فتح على خلافة عباس. ومن أبرز هؤلاء نائب رئيس الحركة محمود العالول، أكبر الطامحين للمنصب سنًا وهو من الجيل المؤسس للحركة. ومن بين المرشحين أيضًا جبريل الرجوب. يرغب كلا الرجلين في انعقاد سريع لمؤتمر فتح الثامن، حيث يعتقدان أنه سيزيد من تعزيز فرصتهم في معركة الخلافة. لكن في ضوء هذه الصراعات على السلطة، أقنع الشيخ عباس بتأجيل المؤتمر إلى موعد لاحق غير محدد.
يعمل الشيخ منذ شهور على تحسين علاقاته مع القادة المصريين والأردنيين وكسب دعمهم في معركة الخلافة. يعتبر الشيخ سياسي فلسطيني محنك للغاية، ومعروف لدى الكثيرين باسم "ثعلب فتح". والتقى الشيخ مؤخرًا بمسؤولين مصريين وأردنيين ورافق عباس في زيارته لمصر والأردن.
تقول مصادر مقربة من الشيخ أنه قبل تعيينه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشاور عباس مع الرئيس المصري السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله حول إمكانية استبدال الشيخ بالدكتور صائب عريقات. لم يبدي الزعيمان العربيان معارضتهما، لذلك بدأ عباس بنقل بعض صلاحيات عريقات إلى الشيخ.
المنافس الآخر للشيخ على قيادة فتح هو مروان البرغوثي، الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في (إسرائيل) لقتله إسرائيليين. يعتبر البرغوثي نفسه الخليفة الطبيعي لعباس، ويحتل البرغوثي في استطلاعات الرأي العام الفلسطيني المقدمة كرئيس مقبل للسلطة الفلسطينية.
وتزعم مصادر في فتح أن (إسرائيل) وعدت الشيخ أنه بعد وفاة عباس لن يطلق سراح البرغوثي من السجن، مما يمهد الطريق أمام الشيخ للسيطرة على فتح.
هذا وتخشى مؤسسة الأمن الإسرائيلية من أن يعيد البرغوثي، الذي كان قائدًا للانتفاضة الثانية، إشعال الكفاح المسلح ضد (إسرائيل).
على أية حال، يواجه الشيخ تحديًا كبيرًا ويسابق الزمن لتعزيز مكانته قبل ترك عباس للمسرح السياسي. ويحظى الشيخ بمساعدة من حليفه السياسي اللواء ماجد فريج، الذي يقود محاولة للإطاحة برئيس الوزراء اشتية وبالتالي تعزيز نفوذ الشيخ.
يدعم عباس الشيخ، الذي أصبح تلميذه المقرب. يتولى الشيخ بصفته رئيس الشؤون المدنية، مسؤولية عائدات الضرائب التي تحولها (إسرائيل) إلى السلطة الفلسطينية كل شهر، وتصاريح الدخول إلى (إسرائيل)، وإصدار تصاريح الشخصيات الهامة للمسؤولين في السلطة الفلسطينية، مما يعطيه قوة كبيرة داخل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ووسائل لشراء الولاء السياسي.
لكن الشيخ لا يحظى بتأييد كبير في حركة فتح المنقسمة داخليًا. سيواجه الشيخ عندما يغادر عباس الساحة السياسية، مشكلة خطيرة لأن رئيس السلطة هو مصدر سلطته.
في غزة، ينظر إلى الشيخ على أنه مسؤول عن العقوبات على القطاع، وكل الفصائل تعارض أن يكون خليفة عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية.
مصنع الإشاعات حول موت عباس:
يراقب مسؤولون أمنيون إسرائيليون بقلق مساعي كبار مسؤولي فتح لتقويض عملية تعيين الشيخ خليفة مؤقت لعباس. ولا يقتصر الأمر على قيام خصوم الشيخ ببناء قوتهم من خلال توزيع مئات الأسلحة على مليشياتهم في الضفة الغربية. حيث نشروا أيضًا في الآونة الأخيرة، أخباراً كاذبة حول صحة رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 86 عامًا على وسائل التواصل الاجتماعي وبأنه منح بعض صلاحياته إلى الشيخ. يأمل مسؤولو فتح هؤلاء في دق إسفين بين عباس والشيخ من خلال خلق انطباع خاطئ بأن الشيخ يحاول "دفن" عباس وهو حي حتى يصبح خليفته، بعكس الحقيقة.
فقد ظهرت قبل أيام قليلة، تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن عباس، في حالة حرجة، وأنه نُقل إلى مستشفى في عمان وتوفي هناك. وقد سارع المتحدث باسم فتح، أسامة القواسمي، إلى نشر نفي في وسائل الإعلام الفلسطينية مفاده أن: "التقارير في وسائل التواصل الاجتماعي حول وفاة رئيس السلطة الفلسطينية غير صحيحة، وحالته الصحية جيدة".
ولتقويض الشائعات، أصدر مكتب عباس صورا للرئيس وهو يتحدث غبر الهاتف في مؤتمر حول القدس في البيرة، بالإضافة إلى مقطع فيديو قصير يبدو فيه وهو يعمل في مكتبه.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نشر أخبار كاذبة عن الحالة الصحية لرئيس السلطة الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد تم قبل عامين، نشر تقارير مماثلة، وادعى مسؤولون في السلطة الفلسطينية أن محمد دحلان، الخصم اللدود لعباس، كان وراءها. لكن دحلان نفى بشدة هذه الاتهامات.
في الأشهر الأخيرة، أوقف دحلان هجماته على رئيس السلطة الفلسطينية وعلى المسؤولين المقربين منه. تقول مصادر فتح أن ذلك جاء بأمر من حكام الإمارات العربية المتحدة، الذين يعمل دحلان كمستشار أمني لهم، وذلك من أجل المساعدة في تحقيق المصالحة بينهم وبين السلطة الفلسطينية.
وقد أفادت وكالة القدس للأنباء في 6 يونيو، أن عباس كان يواجه مشكلة في قدرته على أداء عمله. ونقلاً عن مصادر لم تسمها، وزعمت الوكالة أن عباس استنفذ قوته وشعر بالتعب بسبب زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى المقاطعة في رام الله الأسبوع الماضي واضطر إلى التغيب عن مكتبه لمدة يومين. وقد أجرى عباس مؤخرا فحوصات طبية في عمان وألمانيا، وقيل إنه بصحة جيدة.
كما زعمت وكالة القدس للأنباء أن تقارير وسائل التواصل الاجتماعي حول تفويض بعض صلاحيات عباس إلى الشيخ نابعة من صراع قوي على السلطة في فتح وللانقسام الشديد في لجنتها المركزية.
وصرح عبد الله عبد الله المسؤول الكبير بفتح أن (إسرائيل) تقف وراء التقارير عن تدهور صحة عباس لزرع البلبلة في الساحة الفلسطينية. وزعم مسؤولون آخرون في فتح أن المواقع الإسرائيلية اليمينية هي من لفقت هذه الأخبار.
ورفضت مصادر أمنية إسرائيلية هذه المزاعم ووصفتها بأنها أكاذيب وقالت إن التقارير نشرها مسؤولون كبار في فتح يريدون إحداث شرخ بين عباس وخليفته المنتظر الشيخ.
من الصعب معرفة من ينشر كل الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي. يحاول جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، برئاسة حليف الشيخ اللواء ماجد فريج، التعرف على مصدر هذه الشائعات بأدوات إلكترونية. هذا ووفقًا للقانون الفلسطيني، فإن نشر الشائعات عن رئيس السلطة الفلسطينية يعتبر جريمة جنائية. ومع ذلك، يمكننا القول وبعقلانية أن الشائعات يتم تداولها ببراعة كبيرة من قبل خصوم الشيخ السياسيين اللدودين. تُنسب الإشاعات الكيدية إلى جهات معنية مثل:
- رئيس الوزراء اشتية الغاضب من نية عزله.
- كبار مسؤولي فتح جبريل الرجوب أو عزام الأحمد الذين يكرهون الشيخ.
- حركة حماس.
وقد جاء اختيار عباس للشيخ كبديل مؤقت لعريقات بمثابة مفاجأة لحركة فتح. ويعتزم عباس في المرحلة المقبلة ترقية فريج لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح.
يقود حلف عباس مع حسين الشيخ وماجد فريج السلطة الفلسطينية حاليًا وهذا ما يثير فزع مسؤولي فتح الآخرين مثل جبريل الرجوب ومحمود العالول، الذين يرى كل منهم نفسه خليفة لعباس.
على أية حال، يعتقد مسؤول كبير في فتح أنه في حالة عجز عباس عن القيام بمسؤولياته أو وفاته، فإن من سيحل محله مؤقتًا سيكون الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، وأن ذلك سيكون لمدة 60 يومًا حتى الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن حسين الشيخ سيتمكن من الترشح في تلك الانتخابات، فإن فرصه في الفوز ضعيفة الآن في ظل سمعته السيئة في الشارع الفلسطيني.