في ساحة معركة المعلومات، الحرب الباردة الثانية بدأت بالفعل
تستخدم الصين وروسيا كل أداة تملكانها في المنطقة الرمادية لتعزيز مصالحهما الاستراتيجية على حساب النظام العالمي الليبرالي، وتأتي حرب المعلومات ضمن أقوى أدواتهما.
ناشونال إنترست، يوليو 2022.
كلمتان لا يريد أي زعيم غربي أن يقولهما هما "الحرب الباردة". لا أحد يريد ذلك، لكن الحقائق تتحدث عن نفسها: نحن بالفعل في عمق حرب باردة عالمية. تستخدم الصين وروسيا كل أداة تملكانها في المنطقة الرمادية لتعزيز مصالحهما الاستراتيجية على حساب النظام العالمي الليبرالي، وتُصنف حرب المعلومات ضمن أقوى أدواتهما. يجب أن نقاوم. يحتاج قادتنا إلى فهم قوة وأهمية حرب المعلومات وتمويل القدرة على تنفيذها بفعالية.
هذه ليست الحرب الباردة في القرن العشرين. خلال تلك الحرب، كان هناك القليل جدًا من الاتصالات المباشرة دون مستوى القمة بين الولايات المتحدة وحلفائها والاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية. لم تقم الشركات الغربية بالكثير من الأعمال التجارية في روسيا أو الصين. كان السفر والتواصل بين الناس محدودًا. اليوم، الغرب وروسيا والصين منغمسون في الأعمال التجارية العالمية المشتركة، والاتصالات، وأنظمة المعلومات.
على الرغم من اختلافها في نواح كثيرة عن الحرب الباردة في القرن الماضي، إلا أن الحرب الباردة اليوم مرتكزة على المنافسة على القلوب والعقول. يعمل كل جانب على التسلح بالمعلومات وبالمعلومات المضللة والكاذبة من أجل إحداث تأثيرات استراتيجية. عمليات التدخل الروسية في انتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة وأوروبا معروفة جيدًا. التضليل الصيني والمعلومات المضللة فيما يتعلق بمنشأ كوفيد 19 أصبحت معروفة. تلك هي قمة جبل الجليد.
بدأ عدد قليل من الناس يدركون خطورة معركة المعلومات. يقول قائد فيلق مشاة البحرية الأمريكية الجنرال ديفيد بيرجر عن عقيدة سلاح مشاة البحرية عن المعلومات المنشورة حديثاً، "المعلومات هي أساس كل تفاعل بشري"، هذا على الأقل اعتراف عقائدي بأهمية ساحة معركة المعلومات. لكن حرب المعلومات تتطور بسرعة، مع تطور النظم الاقتصادية والمعلوماتية والاتصالات.
خذ على سبيل المثال هجوم المعلومات المضللة الأخير الذي اكتشفته شركة المراقبة الإلكترونية الأمريكية "مانديانت". حيث أن فرقة حرب معلومات موالية للصين تسمى "دراقونبريدج" نشرت تحذيرات من كارثة بيئية وأضرار لا يمكن إصلاحها نتيجة تعدين لأراضٍ للبحث عن مواد نادرة في تكساس، بهدف إثارة المعارضة المحلية. لماذا؟ لأن الصين تتمتع حاليًا بشبه احتكار للمواد الأرضية النادرة التي تعتمد عليها العديد من الصناعات المتطورة. وهذا يمنحهم قوة سياسية لا يريدون أن يفقدوها.
يشير مراقبون مثل أوليفيا سولان وكين ديلانيان، إلى الفروق بين النهجين الروسي والصيني. استخدمت روسيا استراتيجية هجومية لتقسيم الولايات المتحدة وتشويه سمعتها وبث عدم الثقة بين الأمريكيين في المؤسسات الاجتماعية والسياسية. تستخدم الصين معلومات مضللة، لكن نهجها الاستراتيجي أكثر تعقيدًا. فهي تركز على بناء مكانتها من خلال " خطاب قوي" أكثر من تركيزها على تدمير خصومها ومناوئيها. يهدف هذا التكتيك لتشكيل رواية لخلق انطباع بأن حكومة الصين الاستبدادية متفوقة على الديمقراطيات الغربية، ولكسب التعاطف مع وجهات نظر الصين.
يتوافق هذا مع عقيدة الصين الحربية العامة. فبينما تركز المفاهيم الغربية للحرب على الحرب العسكرية، تميل العقيدة الصينية لتجنب الصراع المسلح لصالح العمل السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والتجسس وتكتيكات حرب المعلومات لتحقيق أهدافها. وتم التعبير عن هذا جيدًا من خلال الحروب الثلاث الحرب القانونية، والحرب النفسية، والحرب الإعلامية، ومن خلال علمها وعقيدتها حول الاستراتيجية العسكرية. تستخدم الصين الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه، والسرقة الإلكترونية، واستغلال وصول بعض المواطنين الصينيين للتقنيات الجديدة. وقد وحد جيش التحرير الشعبي الصيني عملياته في مجال الفضاء، والإنترنت، والحرب الإلكترونية، والنفسية في إطار هيئة واحدة، هي قوة الدعم الاستراتيجي، لتعزيز التنسيق فيما بينها.
يخلط البعض بين حرب المعلومات والقوة الناعمة. نحن هنا لا نتحدث عن القوة الناعمة. القوة الناعمة هي التأثير الذي يتراكم عند الدول بسبب جاذبيتها من حيث الاقتصاد أو الثقافة أو السياسة أو غيرها من السمات غير العسكرية. القوة الناعمة عنصر مهم في الحرب الباردة الجديدة، لكننا نتحدث هنا عن توظيف المعلومات لتحقيق تأثيرات وأهداف استراتيجية على حساب منافسينا. نحن نتحدث عن حربي غير عسكرية قد تعمل جنبًا إلى جنب مع حرب فعلية أو أن تكون عمليات قائمة بذاتها.
نحن لسنا عاجزين. تمتلك الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها قوة معلوماتية هائلة. لكن علينا حشد وتمويل هذه القوة وتوظيف المواهب للاستفادة من قدراتنا لتحقيق تأثيرات تكتيكية واستراتيجية ملموسة. يقال إن الصين لديها ما يصل إلى مئة ألف مقاتل إلكتروني أو معلوماتي. حتى "سوق" التكنولوجيا الفائقة الديناميكية لا يمكنها مواجهة ذلك بمفردها. يتطلب مواجهة الخصم في معركة المعلومات والانتصار عليه -وحتى منافسته فقط -رد حكومي حازم. يجب على قادة الكونجرس، بالإضافة إلى قادة الأمن القومي، التوقف عن مواجهة هذا التحدي بالكلام، فالعقيدة الجديدة ليست دفاعية، ناهيك عن أن تكون استراتيجية ناجحة. حرب المعلومات حقيقية وعاجلة؛ وتحتاج لموارد حقيقية، أفراداً وتمويلاً. يحتاج هذا لإشراك قطاعنا الخاص القوي. على الولايات المتحدة أن تستوعب هذا الأمر. إنها حرب.