معركة التعديلات القضائية في الكيان الإسرائيلي صراع على هوية النظام السياسي ومخاطر تفكك داخلي

مقدمة
عادت خطة التعديلات القضائية إلى صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي بعد فترة تجميد أعقبت اندلاع حرب 7 أكتوبر، في ظل إصرار الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو على تمرير بنودها الجوهرية، التي تهدف إلى إعادة هيكلة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وتعزيز نفوذ الحكومة في تعيين القضاة والحد من رقابة المحكمة العليا.
وقد أثارت هذه الخطوة مجددًا انقسامًا حادًا في الساحة الإسرائيلية، حيث ترى قوى المعارضة ومكونات من المؤسسة الأمنية أن استئناف الخطة يُعد استهدافًا مباشراً لاستقلال القضاء، ويمهد لتحوّل في طبيعة النظام السياسي من التوازن المؤسسي إلى تغوّل السلطة التنفيذية، وتذهب بعض التقديرات داخل المعارضة إلى الربط بين حالة الانقسام الداخلي التي سببتها الخطة قبل الحرب، وبين إقدام حركة حماس على شنّ هجوم 7 أكتوبر، باعتبارها مؤشراً على ضعف المناعة الوطنية الإسرائيلية.
يتناول هذا التقدير أبرز محطات الخطة منذ طرحها مطلع عام 2023، مرورًا بموجات الاحتجاج الواسعة، وردود الفعل داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية، وصولًا إلى السياق الجديد الذي أعادها إلى الواجهة في ظل استمرار الحرب، كما يناقش التأثيرات المحتملة لهذه التعديلات على استقرار النظام السياسي، ووحدة المجتمع، والجاهزية الأمنية، ويستعرض السيناريوهات المتوقعة في حال تعمّق الصدام بين السلطات، وما إذا كان الكيان الإسرائيلي يقترب من أزمة دستورية تهدد بنية الحكم أو حتى السلم الأهلي، وفقًا لأكثر التقديرات تشاؤماً داخل المشهد الإسرائيلي.
خطة التعديلات القضائية
في الرابع من كانون الثاني/يناير 2023، طرحت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ما يُعرف بـ"خطة التعديلات القضائية"، التي صاغها كل من وزير القضاء يريف ليفين، ورئيس لجنة التشريع في الكنيست سيمخا روتمان، وتهدف الخطة إلى إعادة هيكلة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، من خلال إحداث تغييرات عميقة تطال جوهر النظام القضائي الإسرائيلي، لصالح تعزيز سلطة الحكومة وتقليص هامش استقلال القضاء.
تشمل أبرز بنود الخطة، بحسب صحيفة هآرتس، تقليص صلاحيات المحكمة العليا في الرقابة على قرارات الحكومة والكنيست، وتحويل دور المستشار القضائي للحكومة إلى دور استشاري غير ملزم. كما تنص على تعديل تركيبة لجنة تعيين القضاة بما يضمن غالبية دائمة للائتلاف الحكومي داخلها، ما يمنح السلطة التنفيذية تأثيرًا مباشراً على التعيينات القضائية، لا سيما في المحكمة العليا.
وتضمنت التعديلات أيضًا إدخال تعديل على "القانون الأساسي: الحكومة"، يهدف إلى تقييد قدرة المحكمة العليا على التدخل في قرارات الهيئات الإدارية والتنفيذية، واعتُبر هذا التعديل من قبل معارضي الخطة محاولة صريحة لتفكيك مبدأ الفصل بين السلطات، وإعادة تشكيل النظام السياسي باتجاه حكم مركزي ذي طابع استبدادي.
وفي سياق موازٍ، صادقت الكنيست في آذار/مارس 2023 – وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت – على "التعديل رقم 12" للقانون الأساسي، والذي يمنع المحكمة من تجميد مهام رئيس الحكومة حتى في حال وجود اتهامات جنائية ضده، وقد تم تمرير القانون رغم اعتراض المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارة، على خلفية ما اعتبرته "تدخلاً في المسار القضائي خدمة لمصالح سياسية مباشرة".
ويُنظر إلى هذه التعديلات، مجتمعة، على أنها تمثل تحوّلًا بنيويًا في طبيعة النظام الحاكم في الكيان الإسرائيلي، وتهديدًا مباشراً لاستقلال القضاء، في ظل اتهامات متصاعدة من قوى المعارضة بأن الهدف منها تحصين القيادة السياسية من المحاسبة القضائية، وتأبيد الهيمنة اليمينية على مؤسسات الدولة.
تصاعد الاحتجاجات الشعبية وتحولات الموقف الحكومي
شهدت الساحة الإسرائيلية في مطلع عام 2023 موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية الرافضة لخطة التعديلات القضائية، حيث اندفعت قطاعات واسعة من المجتمع المدني والنقابات، وعلى رأسها "الهستدروت" وسلطة الطيران المدني، إلى تنظيم تظاهرات حاشدة اجتاحت المدن الكبرى، تخللتها عمليات إغلاق طرق، واحتكاكات مع الشرطة، وتلويحات بعصيان مدني شامل.
وتحت وطأة هذا الزخم الشعبي المتصاعد، اضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في 27 آذار/مارس 2023 إلى إعلان تجميد مؤقت للخطة، والدعوة إلى حوار مع المعارضة سعياً للتوصل إلى تسوية، إلا أن المفاوضات انهارت في حزيران/يونيو من العام نفسه، لتُستأنف محاولات تمرير الخطة من جديد.
وفي 24 تموز/يوليو 2023، صادقت الكنيست على قانون "تقليص مسوّغ المعقولية"، الذي يقيد صلاحيات المحكمة العليا في مراقبة قرارات الحكومة، وجاءت المصادقة رغم تحذيرات رئيس أركان الجيش "هرتسي هليفي" من تأثيرات القانون على الحافز للخدمة العسكرية، داعياً إلى فتح حوار موسع، ومع ذلك، أبطلت المحكمة العليا سريان القانون في كانون الثاني/يناير 2024، مما أعاد حالة الشدّ السياسي والقانوني إلى ذروتها.
تعليق مؤقت للخطة في ظل الحرب واستمرار تأثيراتها البنيوية
مع اندلاع حرب 7 أكتوبر، تراجعت خطة التعديلات مؤقتاً عن واجهة الأحداث، إلا أن آثارها ظلت حاضرة، فقد امتنعت الحكومة عن إجراء تعيينات حيوية في السلك القضائي، أبرزها منع تعيين رئيس جديد للمحكمة العليا، إسحق عاميت، ما أثار انتقادات حادة من المستشارة القضائية ومن المحكمة ذاتها.
وفي كانون الثاني/يناير 2025، أعلن وزير القضاء يريف ليفين، بمشاركة وزير الخارجية جدعون ساعر، عن إحياء الخطة والسعي مجددًا لتمرير تعديل قانوني يُعيد تشكيل لجنة تعيين القضاة، وهو ما تحقق بالفعل في 27 آذار/مارس الماضي بمصادقة الكنيست على تعديل يمنح الائتلاف أغلبية حاسمة داخل اللجنة، وقد قوبل ذلك بتجدد التظاهرات، مع إغلاق مداخل الكنيست، رغم تراجع كثافتها مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.
انعكاسات التعديلات على المؤسسة الأمنية والعسكرية
خلّفت خطة التعديلات القضائية شرخًا غير مسبوق داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. قبيل الحرب، برزت موجة استنكاف واسعة في صفوف جنود وضباط الاحتياط، وصدرت تحذيرات علنية من كبار المسؤولين الأمنيين.
ففي آذار/مارس 2023، وجّه رئيس الشاباك السابق رونين بار تحذيراً إلى نتنياهو مفاده أن المضي في التعديلات "يفتح شهية الأعداء"، نظراً لحالة الانقسام الداخلي الحاد، وفي السياق ذاته، عبّر رئيس شعبة الأبحاث العسكرية، عاميت ساعر، عن مخاوفه من أن تؤدي الأزمة السياسية – الاجتماعية إلى تحفيز إيران وحزب الله وحماس على تنسيق هجوم واسع.
أما وزير الجيش الأسبق، يوآف غالانت، فقد أطلق تحذيراً مباشراً في الكنيست في 25 آذار من العام نفسه، دعا فيه الحكومة إلى وقف المسار التشريعي للخطة، لكن نتنياهو رد عليه بالإقالة في اليوم التالي، قبل أن يتراجع عنها بفعل احتجاجات شعبية عارمة وخلل قانوني في إجراء الإقالة.
وفي تموز/يوليو 2023، حذّر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون خليفا، من أن التعديلات تُعتبر نقطة ضعف استراتيجية قد تُستغل لشن حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل. وقد رفض نتنياهو، رغم كل ذلك، دعوة الكابينت للانعقاد لتقييم المخاطر الأمنية قبيل التصويت على قانون "مسوّغ المعقولية".
وفي سابقة خطيرة، وقّع نحو 10 آلاف جندي وضابط احتياط، بمن فيهم طيّارون، على تعهد بعدم الالتحاق بالخدمة في حال تمرير التعديلات، كما وجّه مئة من كبار قادة الأجهزة الأمنية السابقين رسالة لنتنياهو يعلنون فيها وقف خدمتهم حال استمرار الحكومة في هذا المسار التشريعي المثير للجدل.
التعديلات تعود إلى الواجهة وسط انقسام سياسي وشعبي
أعادت مصادقة الكنيست في آذار/مارس 2025 على تعديل تركيبة لجنة تعيين القضاة الزخم مجددًا إلى الشارع الإسرائيلي، وقد تظاهر الآلاف أمام مباني الحكومة والكنيست، بمشاركة أحزاب المعارضة، التي حذّرت من أن نتنياهو يحاول "الهروب إلى الأمام" بإعادة إحياء الخطة رغم المخاطر القائمة.
ورغم هذه التحركات، سُجّل تراجع نسبي في حجم الاحتجاجات مقارنة بفترة ما قبل الحرب، حيث ألقى عدد من قادة المعارضة باللوم على بيني غانتس، وزير الجيش السابق، لانضمامه لحكومة نتنياهو في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، ما اعتُبر بمثابة تشتيت لصفوف المعارضة وشرعنة غير مباشرة لسياسات الحكومة.
نحو السيطرة الكاملة على القضاء – ملف إقالة المستشارة القضائية
في سياق متصل، أعلن وزير القضاء يريف ليفين في آذار/مارس الماضي بدء إجراءات لإقالة المستشارة القضائية للحكومة، بدعوى "عرقلة عمل الحكومة والتدخل في قراراتها التنفيذية". وتُعتبر هذه الخطوة جزءاً من مسعى أشمل لإحكام القبضة على المنظومة القضائية، عبر استبدال المستشارة بشخصية موالية للائتلاف الحاكم.
وقد قوبلت الخطوة بموجة احتجاجات واسعة من قوى المعارضة وممثلي اليسار، الذين وصفوها بأنها محاولة لإخضاع القضاء وتحويل النظام السياسي نحو نموذج سلطوي يفتقر إلى الضوابط المؤسسية، في مشهد يُقارن بدول تنتمي للعالم الثالث.
في المقابل، لجأ نتنياهو إلى تحريك ملف إقالة رئيس الشاباك رونين بار، في محاولة واضحة – بحسب المعارضة – لصرف الأنظار عن خطة التعديلات.
سيناريوهات محتملة: تجميد الإقالة يؤجل الصدام… ولا ينهيه
في خطوة قضائية لافتة، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية بتاريخ 8 نيسان/أبريل أمرًا مؤقتًا يقضي بتجميد قرار إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، مؤكدة بقاءه في منصبه حتى إشعار آخر، مع التشديد على منع اتخاذ أي إجراء يمس ولايته، سواء من خلال تعيين بديل أو تقليص صلاحياته، وفي الوقت نفسه، فتح القرار الباب أمام تسوية سياسية–قانونية، حيث دعا القضاة الحكومة والمستشار القضائي للعمل على صيغة تفاهم يمكن تقديمها حتى 20 نيسان الجاري.
بهذا القرار، تكون المحكمة قد تفادت صدامًا دستوريًا مباشرًا مع الحكومة، مفضّلة مقاربة مرنة توازن بين تأكيد سلطتها القضائية وإعطاء فرصة للتسوية، دون أن تغلق الباب أمام التصعيد لاحقًا، إذا لم يتم التوصل إلى حل متوافق عليه.
رغم ذلك، فإن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة، إذ أن القرار لا يضع حدًا للخلاف، بل يؤجله، ويطرح عدة سيناريوهات محتملة لما بعد 20 نيسان:
- توصّل الحكومة والمستشار القضائي إلى تسوية مؤقتة تُنهي ملف الإقالة دون كسر أحد الأطراف، وتجنّب البلاد أزمة دستورية.
- عدم التوصّل إلى اتفاق، ما يُعيد الملف إلى المحكمة التي قد تصدر حينها قرارًا نهائيًا يُلزم الحكومة، ويعيد احتمالية التصعيد إلى الواجهة.
- مواصلة الحكومة اتخاذ خطوات غير مباشرة لتهميش بار، وهو ما قد يُفسّر كتحايل على قرار المحكمة، ويؤدي إلى صدام مؤسسي مؤجل.
وفي هذا السياق، تبقى تحذيرات رئيس المحكمة العليا الأسبق، أهارون باراك، ذات دلالة، حيث أشار سابقًا إلى أن رفض الحكومة لقرارات المحكمة العليا يمثّل لحظة انقلاب على الديمقراطية، وأن حسم مثل هذا الصراع قد لا يتم عبر المؤسسات بل عبر القوة، في تلميح واضح إلى احتمال تدخل الجيش.
وبذلك، فإن قرار المحكمة لا يُنهي الأزمة، بل ينقلها إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، حيث يجري تقاذف الملف بين خيارات سياسية وقانونية، في ظل احتقان شعبي واستقطاب حاد.
السيناريوهات المستقبلية للصراع بين الحكومة والقضاء
في ضوء قرار المحكمة، ومع استمرار الائتلاف الحاكم في الدفع باتجاه تنفيذ التعديلات القضائية، لا تزال السيناريوهات السياسية والاجتماعية مفتوحة على عدة مسارات، منها:
- استمرار الحكومة في فرض التعديلات، بما في ذلك الدفع لإقالة المستشارة القضائية أو تهميش القضاء، ما قد يوسّع نطاق الاحتجاجات ويفتح المجال أمام شلل في مؤسسات الدولة وقطاعاتها الحيوية.
- تصاعد التوتر الشعبي في حال قامت الحكومة بتجاهل روح القرار القضائي، سواء عبر إجراءات فعلية أو رمزية، ما يعيد سيناريو المواجهات بين معسكري المؤيدين والمعارضين.
- تصدّع الائتلاف والتوجه إلى انتخابات مبكرة، لا سيما إذا ارتفعت كلفة الأزمة سياسياً وأمنياً، أو إذا ازدادت الضغوط من الشارع والمؤسسات الأمنية.
- تهدئة مشروطة ومسار تفاوضي هش، في حال نجحت المبادرة القضائية في تجميد الأزمة وفتح نافذة لتفاهمات مؤقتة، قد تؤجّل الصدام لكنها لن تُنهي جذور الصراع.
السيناريو المرجح: تجميد الصدام لا يُنهي التوتر
قرار المحكمة بتجميد الإقالة، مع فتح المجال لتسوية، يعكس رغبة مؤسساتية في تأجيل الصدام لا حسمه، وفي ظل تمسّك نتنياهو وحكومته بمسار التعديلات القضائية كخيار استراتيجي لحسم شكل النظام السياسي، يُرجّح أن يستمر التصعيد بشكل تدريجي ومحسوب.
الاحتجاجات ستبقى حاضرة، لكن دون الوصول في المدى القريب إلى مستوى الانفجار الشامل، بفعل ضعف المعارضة وتراجع زخم الشارع، كما أن المحكمة، على الأرجح، ستواصل نهج "الاحتواء القضائي"، مفضّلة الحفاظ على مكانتها من دون مواجهة مباشرة مع الحكومة في توقيت حرج.
بناءً عليه، فإن السيناريو الأرجح يتمثل في استمرار التآكل البطيء للعلاقة بين السلطات، ضمن مناخ استنزاف سياسي–قانوني مفتوح، قد لا يفضي إلى أزمة دستورية فورية، لكنه يُراكم هشاشة متزايدة في النظام السياسي والمؤسسي، قابلة للانفجار في أي لحظة يتغيّر فيها ميزان القوى أو تعود الجبهات الاجتماعية للتحرك بزخم جديد.
الخلاصة
تكشف التعديلات القضائية الجارية في الكيان الإسرائيلي عن تحول عميق في بنية النظام السياسي، يتجاوز كونه خلافًا قانونيًا إلى كونه صراعًا على هوية الدولة ونمط الحكم فيها. ومع استئناف الحكومة لمحاولات تقويض استقلال القضاء، وتصاعد التوتر بين السلطتين التنفيذية والقضائية، باتت الدولة العبرية تواجه أزمة مركّبة تهدد استقرارها المؤسسي والاجتماعي والأمني على حد سواء.
قرار المحكمة العليا الأخير بتجميد إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار مثّل محاولة لاحتواء التصعيد، لكنه لم يُنهِ الأزمة، بل أعاد ترحيلها إلى جولة جديدة من التفاوض الهش والتجاذب السياسي، وفي حين تجنّبت المحكمة في هذه المرحلة صدامًا مباشرًا مع الحكومة، إلا أن جذور الصراع لا تزال قائمة، بل وتُراكم تدريجيًا بيئة خصبة لانفجار مستقبلي، في ظل إصرار الحكومة على ترسيخ نفوذها داخل السلطة القضائية.
في المقابل، فإن تراجع زخم الشارع، والانقسامات داخل المعارضة، وتردّد بعض مؤسسات الكيان في المواجهة، قد يمنح الحكومة مجالاً واسعاً للمناورة، لكن دون ضمانات دائمة، خاصة في حال تصاعد الضغط الشعبي أو تبدّلت مواقف الأجهزة الأمنية.
إن المشهد العام يعكس نظاماً مأزوماً يعيش حالة استنزاف داخلي، حيث تتآكل شرعية المؤسسات، وتتداخل الحسابات السياسية مع البُنى الدستورية، وتتحول ساحات القضاء والاحتجاج إلى ميادين اشتباك حول مستقبل الدولة نفسها.
وفي ظل هذه المعادلة المعقّدة، فإن الكيان الإسرائيلي يدخل مرحلة غير مسبوقة من اللايقين السياسي والدستوري، يتوقف مآلها على قدرة الأطراف – أو عجزها – عن إنتاج تسوية تُعيد التوازن بين السلطات، أو على العكس، تنزلق نحو أزمة قد تكون أكثر عمقًا واتساعًا مما تبدو عليه اليوم.
توصيات المركز
- استغلال حالة تآكل صورة "الديمقراطية الإسرائيلية" أمام العالم للضغط في المحافل الدولية (الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، الاتحاد الأوروبي).
- متابعة التحركات الاستيطانية أو الاعتداءات في المناطق الحساسة والتي قد تزداد بهدف كسب دعم التيارات اليمينية المتطرفة.
- إبراز التعديلات القضائية والإقالات والاحتجاجات كتحول خطير في نموذج الحكم الإسرائيلي.
- تسويق خطاب يُظهر "تآكل الكيان الإسرائيلي من الداخل" ويفقد نظامه الحاكم التوازن، ما يبرر المطالب الفلسطينية بضغط خارجي حقيقي على تل أبيب.
- عدم الرهان فقط على انهيار داخلي، بل تحضير استراتيجية متكاملة تستفيد من الاضطراب دون بناء آمال مفرطة على نتائج الصراع الداخلي.
- رصد الانقسامات داخل الجيش والمؤسسات الأمنية وتفسيرها أمام المجتمع الدولي كدليل على هشاشة البنية الاستعمارية.
- إبراز خطاب قادة الأجهزة الأمنية والقضائية الإسرائيليين الذين يحذّرون من "الانتحار الداخلي"، وربطه بممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
- ربط الصراع القضائي الإسرائيلي بسياسات القمع والعنصرية، وتسليط الضوء على أن من يسعى للهيمنة على القضاء داخليًا هو نفسه من يقود جرائم الاحتلال.
- إنتاج محتوى موجه للغرب بلغته وخطابه، يُظهر أن الكيان الإسرائيلي يذهب في طريق سلطوي قد يقود إلى انهيار الدولة، ما يُبرر إعادة تقييم الدعم الدولي لها.