التفاوض في زمن الحرب قراءة في مستقبل الوساطة المصرية-القطرية

مقدمة
تلعب الوساطة المصرية القطرية دورًا محوريًا في إدارة الأزمات المتعلقة بقطاع غزة، سواء من خلال التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، أو عبر جهود المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، وقد تعزز هذا الدور على مدار العقود الماضية نتيجة اعتبارات جيوسياسية وأمنية واقتصادية، جعلت من القاهرة والدوحة فاعلين رئيسيين في هذا الملف المعقد.
تستند هذه الورقة إلى قراءة تاريخية لدور مصر وقطر في غزة، وتحليل جهود الوساطة خلال الأزمات السابقة، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الطرفين في تحقيق اختراق حقيقي ومستدام في هذا الملف، كما تبحث الورقة في طبيعة التنسيق المصري-القطري في إدارة الصراع، وتقدم قراءة استشرافية لمستقبل الوساطة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
وتحاول هذه الورقة الإجابة عن تساؤلات رئيسية، أبرزها: ما العوامل التي تحكم الدورين المصري والقطري في غزة؟ وما مدى فاعلية الوساطة التي قادها الطرفان في محطات الصراع المختلفة؟ وما السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذه الوساطة في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة في ظل التعقيدات السياسية والأمنية الراهنة؟
الخلفية التاريخية للدورين المصري والقطري في غزة
الدور المصري
تمتلك مصر دورًا تاريخيًا راسخًا في دعم القضية الفلسطينية، بدءًا من تبنيها لمشروع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وصولًا إلى احتضانها للعمل الفدائي في مراحله الأولى، حيث وصفه الرئيس جمال عبد الناصر بأنه "أنبل ظواهر العصر"، وقد ارتكز الدعم المصري آنذاك على البعد القومي للقضية الفلسطينية، الذي استند إلى إدراك استراتيجي لخطورة المشروع الصهيوني على مصر والمنطقة، ولم يكن مجرد تعبير عن مشاعر تضامنية عاطفية.
لكن منذ تلك الحقبة وحتى اليوم، شهدت العلاقات المصرية-الفلسطينية تحولات جوهرية بفعل المتغيرات الإقليمية والدولية، فضلًا عن التغيرات الداخلية في مصر، فقد تراجع البعد القومي لصالح الاعتبارات الأمنية والاقتصادية، في ظل المستجدات السياسية التي طرأت على المشهد الفلسطيني، وعلى رأسها الانقسام الداخلي.
تميّزت العلاقات المصرية-الفلسطينية بخصوصية نابعة من الجوار الجغرافي والتداخل التاريخي، خصوصًا مع قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية بين عامي 1948 و1967، حيث حمل سكانه وثائق سفر مصرية، واعتمدوا على مصر بوابة وحيدة للتواصل مع العالم، حتى في مجالات التعليم والمناهج الدراسية، ورغم احتلال القطاع عام 1967، لم تتراجع مصر عن اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية، حتى في المراحل التي شهدت توترات، مثل اعتراف مصر بمبادرة روجرز عام 1970، أو توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
بعد اتفاق أوسلو عام 1993، لعبت مصر دورًا نشطًا في دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، وكانت أول دولة عربية تفتح سفارة في غزة، كما كان دخول الرئيس ياسر عرفات إلى القطاع عام 1994 عبر الأراضي المصرية، ومع ذلك، شهدت العلاقات بين الرئيس حسني مبارك وأبو عمار توترًا عام 1999، حين رفض مبارك مساعي عرفات لإعلان الدولة الفلسطينية، واستمر هذا التوتر حتى وفاة عرفات عام 2004.
مع تصاعد الأحداث في غزة، تواجد وفد أمني مصري بشكل دائم في القطاع، لكنه انسحب بعد أحداث يونيو 2007 وحسمها لصالح حركة حماس، ومنذ ذلك الحين، دعمت مصر السلطة الفلسطينية كجهة شرعية، لكنها لم تلجأ إلى فرض حصار كامل على غزة، رغم تراجع حركة المعبر بسبب رفض حماس الالتزام باتفاقية المعابر، وفي عام 2009، احتضنت مصر محادثات المصالحة الفلسطينية، ولعبت دورًا بارزًا كوسيط بين فصائل المقاومة وحكومة الاحتلال خلال جولات التصعيد العسكري، بما في ذلك الحرب الأخيرة عام 2023.
الدور القطري
برزت قطر كفاعل مؤثر في القضية الفلسطينية، من خلال جهودها في الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، فضلًا عن دعمها السياسي والمالي للقطاع، خصوصًا بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 وفرض الحصار الإسرائيلي على غزة.
كانت قطر أول دولة عربية تتحدى الحصار الدبلوماسي المفروض على غزة، حيث قام الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارتها عام 1999، وكان بذلك أول زعيم عربي يدخل القطاع منذ 1967، ثم عاد في زيارة ثانية عام 2012، حيث أعلن عن تقديم 400 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع بعد العدوان الإسرائيلي.
مع تشديد الحصار الإسرائيلي، لعبت قطر دورًا حيويًا في تقديم الدعم الإنساني لسكان غزة، إلى جانب تركيا وماليزيا ومنظمات دولية، وقد تصاعد هذا الدور خلال الحروب الإسرائيلية على غزة بين 2008 و2023، حيث أسست اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، وتولت تمويل مشاريع حيوية، مثل دفع رواتب الموظفين، وتوفير الوقود لمحطة الكهرباء، وتقديم منح مالية مباشرة للأسر المحتاجة، وقد تم هذا التنسيق بموافقة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، التي رأت في الدعم القطري وسيلة لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية وتجنب الانفجار.
وخلال الفترة من 2012 إلى 2021، قدّمت قطر ما يقارب 1.49 مليار دولار مساعدات لغزة، شملت الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، إلى جانب استضافتها للقيادة السياسية لحركة حماس بعد خروجها من سوريا عام 2012.
كما حاولت قطر لعب دور في المصالحة الفلسطينية، حيث استضافت لقاءات بين حركتي فتح وحماس، وأثمرت هذه الجهود عن "اتفاق الدوحة" عام 2012 لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنه لم يُنفّذ، وفي 2016 و2020، نظّمت قطر جولات تفاوضية إضافية، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة بسبب التعقيدات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية.
يُظهر الدوران المصري والقطري في غزة تباينًا في الأدوات والأهداف، حيث تتعامل مصر مع الملف من منظور أمني واستراتيجي يرتبط باستقرار حدودها، بينما يركز الدور القطري على البعد الإنساني والاقتصادي، في سياق دعم النفوذ السياسي الإقليمي للدوحة، ورغم اختلاف المقاربات، تظل كل من القاهرة والدوحة فاعلين أساسيين في تحديد مستقبل غزة، سواء في سياق التهدئة أو المصالحة الفلسطينية أو إعادة الإعمار.
جهود الوساطة خلال الأزمات السابقة
الجهود المصرية
لطالما لعبت مصر دورًا محوريًا في الوساطة بين حكومة الاحتلال والفصائل الفلسطينية، حيث نجحت في وقف العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، إضافة إلى جهودها في تبادل الأسرى وإعادة الإعمار، وفيما يلي أبرز محطات الوساطة المصرية:
- عدوان 2008 (الرصاص المصبوب): شن الاحتلال هجمات واسعة على غزة، أطلقت عليها حكومة الاحتلال عملية "الرصاص المصبوب"، وأسفرت عن استشهاد 1400 فلسطيني، بينهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة، بذلت مصر جهودًا دؤوبة لمنع تفاقم الأوضاع والتوصل إلى تهدئة.
- عدوان 2012 (عامود السحاب): استمرت العملية العسكرية الإسرائيلية "عامود السحاب" لمدة ثمانية أيام، وأسفرت عن استشهاد نحو 180 فلسطينيًا، بينهم 42 طفلًا و11 امرأة، وإصابة حوالي 1300 آخرين، على الجانب الإسرائيلي، قُتل 20 شخصًا وأُصيب 625 آخرون، نجحت مصر في التوسط والتوصل إلى هدنة بين الطرفين.
- عدوان 2014 (الجرف الصامد): استمر العدوان الإسرائيلي "الجرف الصامد" لمدة 51 يومًا، وانتهى بوساطة مصرية أفضت إلى وقف إطلاق النار، أعقب ذلك مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي ومشاركة 50 دولة ومنظمة، حيث تعهّدت الدول المانحة بتقديم 4.5 مليار دولار لإعادة الإعمار.
- عدوان مايو 2021: خلال العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يومًا، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 240 فلسطينيًا وإصابة المئات، قادت مصر جهودًا مكثفة لوقف إطلاق النار، ونجحت في فرض تهدئة بين الطرفين، كما أطلق الرئيس السيسي مبادرة لإعادة إعمار القطاع بقيمة 500 مليون دولار، بمشاركة شركات مصرية.
- مواجهات أغسطس 2022 (الفجر الصادق): شن جيش الاحتلال عملية عسكرية استهدفت قادة المقاومة، وردّت الفصائل بإطلاق نحو 1000 صاروخ تجاه المدن داخل الكيان الاسرائيلي، تمكنت مصر من التوصل إلى وقف إطلاق النار، كما سعت للإفراج عن الأسيرين خليل العواودة وبسام السعدي.
- عدوان 7 أكتوبر 2023: منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى"، والتي خلفت آلاف الشهداء والمصابين، تحركت مصر بالشراكة مع قطر للتوصل إلى تهدئة، نجحت هذه الجهود في 24 نوفمبر 2023 في إقرار أول هدنة استمرت أسبوعًا، تم خلالها إطلاق سراح 105 رهائن إسرائيليين مقابل الإفراج عن 240 أسيرًا فلسطينيًا.
- اتفاق وقف إطلاق النار 2025: أسهمت الوساطة المصرية، إلى جانب قطر والولايات المتحدة، في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 15 يناير 2025 بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس، بعد شهور من المفاوضات المتقطعة، ولا تزال الجهود مستمرة للتوصل إلى وقف نهائي للحرب بعد استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
- جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني: أدركت الفصائل الفلسطينية أهمية الدور المصري في تحقيق المصالحة الوطنية، حيث نجحت مصر في التوصل إلى تفاهمات أولية حول إدارة غزة، إلا أن تنفيذها يواجه تحديات متعددة.
الجهود القطرية
برزت قطر كلاعب رئيسي في الوساطة بين حكومة الاحتلال والفصائل الفلسطينية، فضلًا عن جهودها في تقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس بعد الانقسام الفلسطيني، ومن أبرز محطات الوساطة القطرية:
- التوصل إلى هدنة: ساهمت قطر في وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال خلال الحروب على غزة في أعوام 2009، 2012، 2014، و2021.
- عدوان مايو 2021: خلال العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يومًا، أعلنت قطر بالتعاون مع المجتمع الدولي عن تهدئة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
- اتفاق المصالحة 2012: في 6 فبراير 2012، وقّعت حركتا فتح وحماس "اتفاق الدوحة"، الذي سعى إلى تسريع المصالحة الوطنية، ووقع الاتفاق كل من الرئيس محمود عباس وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك.
- الوساطة في معركة طوفان الأقصى 2023/2024: لعبت قطر دورًا رئيسيًا في التوصل إلى هدنة إنسانية مؤقتة في نوفمبر 2023، شملت تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة بعد أكثر من 46 يومًا من الحصار.
- اتفاق وقف إطلاق النار 2025: بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، ساهمت قطر في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 15 يناير 2025، لا تزال الدوحة تواصل جهودها لإنهاء الحرب، في ظل تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق بسبب الممارسات الإسرائيلية.
التنسيق المصري-القطري في ملف غزة
منذ اندلاع الحرب، تعاونت مصر وقطر في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، حيث تتمتع كل منهما بعلاقات متميزة مع أطراف النزاع، ولعبت مصر دورًا حاسمًا بفضل حدودها المشتركة مع غزة وسيطرتها على معبر رفح، بينما تميزت قطر بعلاقاتها مع قيادة حركة حماس واستضافتها لهم على أراضيها.
ورغم تعثر المفاوضات مرارًا نتيجة المتغيرات على الأرض، استمر التنسيق بين البلدين، خاصة بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على محور فيلادلفيا ومعبر رفح في مايو 2024، الأمر الذي رفضته مصر باعتباره انتهاكًا لاتفاقية كامب ديفيد، وقد طالبت القاهرة مرارًا بانسحاب جيش الاحتلال من المنطقة الحدودية، وهو مطلب يتقاطع مع مطالب حركة حماس بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل قطاع غزة.
من جانبها، واجهت قطر ضغوطًا متزايدة، خاصة من حكومة الاحتلال والولايات المتحدة، حيث تعرضت لانتقادات بسبب دعمها الإنساني والاستثماري لغزة، إضافة إلى استضافتها لمكتب حماس، ورغم هذه الضغوط، واصلت الدوحة جهودها في الوساطة، لكنها علّقت دورها مؤقتًا عندما حاولت حكومة الاحتلال فرض شروط غير مقبولة على المقاومة.
السيناريوهات المستقبلية للوساطة المصرية-القطرية
تعتمد مخرجات الوساطة المصرية-القطرية على عدة عوامل، أبرزها موقف كل من مصر وقطر، وتأثير الضغوط الدولية، واستجابة طرفي النزاع للمبادرات المطروحة، لذلك، يمكن رسم السيناريوهات بناءً على مدى قدرة الوساطة على تحقيق اختراق حقيقي في المفاوضات، مع مراعاة الأدوار المتباينة للوسطاء ومواقفهم الاستراتيجية.
السيناريو الأول: استمرار الوساطة مع تحقيق هدن مؤقتة غير مستقرة
في ظل التباين في توجهات مصر وقطر، والضغوط الدولية المتزايدة، قد ينجح الطرفان في فرض هدن مؤقتة، لكنها ستكون غير مستقرة وقابلة للانهيار في أي لحظة، بسبب غياب اتفاق طويل الأمد يضمن وقفًا دائمًا للقتال.
الشواهد الداعمة
- هدنة نوفمبر 2023: انهارت سريعًا بسبب رفض حكومة الاحتلال تقديم تنازلات جوهرية، ما يعكس طبيعة الهدن الهشة.
- هدن سابقة بين 2012 و2021: معظم اتفاقيات التهدئة لم تؤدِّ إلى حل مستدام، بل كانت استراحة للمعارك.
- التحركات الإقليمية الأخيرة: استمرار اللقاءات الدبلوماسية بين مصر وقطر يشير إلى نية الطرفين إدارة الصراع عبر حلول مؤقتة.
ترجيح السيناريو
هذا السيناريو هو الأكثر احتمالًا، حيث إنه يحقق مكاسب للوسطاء دون الحاجة إلى مواجهة حكومة الاحتلال بضغط سياسي غير معتاد، كما يمنح المقاومة فرصة للمناورة دون تقديم تنازلات كبيرة.
السيناريو الثاني: تراجع الوساطة المصرية-القطرية لصالح تدخل أمريكي مباشر
في حال تعثر جهود مصر وقطر، قد تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر لفرض اتفاق، ما يعني تراجع دور الوسطاء الإقليميين لصالح واشنطن، التي قد تفرض تسوية تتناسب مع مصالح الكيان الإسرائيلي أكثر من كونها تسوية عادلة.
الشواهد الداعمة
- اتفاقيات سابقة بضغط أمريكي: تدخل واشنطن كان حاسمًا في هدنة نوفمبر 2023، ما يشير إلى إمكانية تكرار السيناريو.
- تزايد التوتر بين الوسطاء والإدارة الأمريكية: تكرار التصريحات الأمريكية حول ضرورة فرض حل، دون انتظار نجاح الوساطة الإقليمية.
- تصاعد الانتقادات الإسرائيلية لقطر: مما قد يدفع واشنطن إلى استبدال الدوحة بأطراف أخرى في أي مفاوضات قادمة.
ترجيح السيناريو
هذا السيناريو محتمل لكنه يعتمد على تطورات الميدان، فإذا استمر الجمود الحالي، فقد يكون التدخل الأمريكي أمرًا واقعًا.
السيناريو الثالث: فشل الوساطة واستمرار الحرب بسبب تمسك الوسطاء بمواقفهم
إذا لم تنجح مصر وقطر في تقريب وجهات النظر، واستمر الاحتلال في رفض تقديم تنازلات حقيقية، فقد تنهار جهود الوساطة، مما يعني استمرار العدوان دون أي أفق لحل قريب.
الشواهد الداعمة
- تصعيد الاحتلال في محور صلاح الدين (فيلادلفيا): مما يعكس نية حكومة الاحتلال فرض سيطرة عسكرية كاملة، دون الحاجة إلى تهدئة دائمة.
- تكرار انهيار المفاوضات السابقة: مما يشير إلى غياب أي أرضية مشتركة للحل بين المقاومة والاحتلال.
- التوتر بين الوسطاء وحكومة الاحتلال: مصر وقطر واجهتا تحديات كبيرة في فرض حلول، مما قد يدفعهما للانسحاب التدريجي من الوساطة.
ترجيح السيناريو
هذا السيناريو وارد لكنه أقل احتمالًا، لأن استمرار الحرب دون أي تدخل وساطي سيؤدي إلى تداعيات غير محسوبة، مما قد يدفع الوسطاء لمحاولة إنقاذ دورهم عبر حلول جديدة.
السيناريو الأرجح
بناءً على تحليل أدوار الوسطاء والتطورات الميدانية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو السيناريو الأول (استمرار الوساطة مع تحقيق هدن مؤقتة غير مستقرة)، حيث تسعى مصر وقطر للحفاظ على دورهما في إدارة الصراع، دون فرض حلول جذرية قد ترفضها حكومة الاحتلال أو المقاومة، في الوقت نفسه، تبقى احتمالية تدخل الولايات المتحدة أو انهيار الوساطة قائمة، لكنها مشروطة بتطورات سياسية وميدانية لم تكتمل بعد.
الخلاصة
تظل الوساطة المصرية-القطرية عنصرًا حاسمًا في المشهد السياسي والميداني في غزة، لكنها تواجه تحديات معقدة تجعل نجاحها مرهونًا بتطورات الصراع وميزان القوى على الأرض، فقد لعبت قطر دورًا بارزًا في دعم غزة، سواء عبر المساعدات المالية المنتظمة منذ 2018، أو من خلال استضافتها لقيادات حماس منذ 2012، مما منحها قدرة على التأثير في مواقف المقاومة وإدارة مسار المفاوضات، كما أن علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، رغم عدم وجود اتصالات مباشرة بينها وبين حكومة الاحتلال، جعلتها وسيطًا فعالًا في تمرير بعض التفاهمات، خاصة في قضايا تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
أما مصر، فتمتلك أوراق تأثير استراتيجية بحكم موقعها الجغرافي، وسيطرتها على معبر رفح والحدود البرية، فضلًا عن دورها الأمني والسياسي المستند إلى اتفاقية كامب ديفيد، وعلاقاتها المباشرة مع تل أبيب، وتكمن قوة الوساطة المصرية في كونها قناة الاتصال الأساسية مع الاحتلال، إضافة إلى اعتبارات جيوسياسية وأمنية تجعل استقرار غزة مصلحة استراتيجية لها، ما يفسر انخراطها المستمر في جهود التهدئة.
ورغم ما تمتلكه الوساطة المصرية-القطرية من أدوات ضغط، إلا أن فاعليتها تظل محدودة في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يراهن على استمرار الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، مثل بقاء حكومة نتنياهو في السلطة، وإعادة فرض معادلة الردع، ومحاولة فرض تغيير ديموغرافي عبر التهجير، كما أن الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي والضغوط الدولية المتباينة جعلت فرص تحقيق تسوية دائمة ضئيلة، في ظل إصرار المقاومة الفلسطينية على مطالبها المشروعة، وعلى رأسها وقف العدوان وانسحاب الاحتلال من غزة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الهدن المؤقتة غير المستقرة، مع احتمالية التوصل إلى اتفاق مشروط إذا تغيرت المعادلة العسكرية أو تصاعد الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي، أما استمرار الحرب وفشل الوساطة في تحقيق اختراق جوهري، فهو احتمال وارد في حال تشبث كل طرف بشروطه دون تقديم تنازلات جوهرية.
ختامًا، تبقى قدرة الفلسطينيين على التعامل بحذر مع الوساطة، واستثمار الضغط الدولي، وتعزيز الوحدة الوطنية والإعلامية عوامل حاسمة في تحقيق أي مكاسب سياسية أو ميدانية، في ظل معركة لا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات.
توصيات المركز
- تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني في المفاوضات وتشكيل لجنة فلسطينية مشتركة تتولى التنسيق مع الوسطاء الإقليميين والدوليين، لضمان عدم استفراد الكيان الإسرائيلي بأي طرف فلسطيني وتحقيق مكاسب تفاوضية أكبر.
- الابتعاد عن أي تصعيد داخلي فلسطيني قد يُضعف موقف المفاوضين، والتركيز على إدارة الخلافات بالحوار الداخلي
- الاستثمار في التحركات الدبلوماسية الدولية وتكثيف التواصل مع الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، مثل تركيا وجنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية، لحشد موقف دولي أقوى ضد الاحتلال الإسرائيلي.
- إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الفلسطيني بحيث يعكس الموقف الوطني العام، ويتجنب الانقسامات الداخلية التي تضعف الرواية الفلسطينية.
- التركيز على الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين في الخطاب الإعلامي الدولي، مع استثمار شهادات الناجين والأدلة الميدانية لخلق ضغط دولي أكبر على الاحتلال.
- استثمار الضغط الشعبي في دعم المفاوضات وتنظيم مظاهرات وفعاليات سلمية داخل فلسطين وفي الشتات، بهدف إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة على الأجندة الدولية.