اليوم التالي للحرب: غزة بين الاستقرار النسبي وتعقيدات المشهد السياسي

مركز الدراسات السياسية والتنموية
مقدمة
بعد أكثر من 15 شهرًا من الحرب الدامية التي شهدها قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، جاء اتفاق وقف إطلاق النار ليمنح المواطنين الفلسطينيين فرصة لالتقاط الأنفاس، ويعيد الأمل في استقرارٍ طال انتظاره، ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار لا يزال هشًا ومهددًا بتعقيدات المشهد السياسي الداخلي، إذ يواجه الفلسطينيون تحدياتٍ لا تقل خطورةً عن الدمار المادي، أبرزها استمرار الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، إضافةً إلى التجاذبات الدولية والإقليمية حول مستقبل القطاع.
على الرغم من التوافق الدولي على أهمية التهدئة، لا يزال الفراغ السياسي والتوترات الداخلية يشكلان خطرًا بإعادة تفجير الأزمات، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة غزة في المرحلة المقبلة، وبينما تسعى السلطة الفلسطينية، بدعم دولي، إلى تعزيز حضورها في القطاع، تصرّ حركة حماس على استمرار إدارتها، مما يثير تساؤلات حول إمكانية توصل الطرفين إلى تفاهم يحقق استقرارًا مستدامًا.
في هذا السياق، تسلط هذه الورقة الضوء على مدى واقعية تحقيق الاستقرار في غزة بعد الحرب، والعقبات السياسية التي تعترض هذه المرحلة، مع التركيز على تفاعلات الفاعلين المحليين والدوليين، ومدى تأثير الانقسامات الفلسطينية على مستقبل القطاع، وهل يمثل وقف إطلاق النار بداية لمرحلة جديدة من التوافق الداخلي، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وطأة الخلافات السياسية؟
وقف إطلاق النار بين الاستقرار الهش واحتمالات التصعيد
رغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة دولية، إلا أن هذا الاتفاق لم يُنهِ التوترات تمامًا، بل فرض هدنة غير مستقرة قد تنهار في أي لحظة لاسيما في ظل الخروقات الإسرائيلية المتكررة لوقف إطلاق النار، كما أن الاتفاق لم يُحدد بوضوح شكل الترتيبات الأمنية في غزة بعد الحرب، مما يترك المجال مفتوحًا أمام سيناريوهات متعددة، بدءًا من استمرار التهدئة المشروطة، وصولاً إلى احتمال اندلاع جولة جديدة من المواجهات في حال فشل الأطراف في تحقيق توافق سياسي.
الأوضاع الإنسانية المتفاقمة
الجانب الإغاثي
مع الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، سارعت المنظمات الإغاثية الدولية إلى توسيع نطاق عملها لإيصال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، وهو ما كان صعبًا قبل الاتفاق، وأعلنت الأمم المتحدة، بالتعاون مع شركائها، عن تكثيف جهودها لتقديم الدعم العاجل، حيث صرّح مهند هادي، منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأن "كل ثانية لها أهميتها"، مشددًا على ضرورة اغتنام هذه الفرصة لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان الذين عانوا من أزمات متفاقمة.
وأكد المسؤول الأممي أن نجاح المشاريع الإنسانية يعتمد على التعاون المشترك بين جميع الأطراف، مع التزام الأمم المتحدة بدعم الانتقال إلى المرحلة الثانية من المساعدات، معتبرًا أن هذه الجهود تمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الحلول السلمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتوقعت الأمم المتحدة أن تستمر تداعيات العدوان الإسرائيلي لفترة طويلة، حيث أشار ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، إلى الحاجة الماسة لزيادة تدفق المساعدات، مؤكدًا أن منظمته ستوسع عملياتها في غزة كلما سمحت الظروف بذلك، كما شدد على أهمية توفير تمويل مرن وتسهيل دخول المساعدات والعاملين في المجال الإغاثي دون قيود.
ومن بين المنظمات الدولية المستجيبة للأزمة، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن سعيه لتوفير الغذاء لأكبر عدد ممكن من السكان، بعد إعادة فتح المعابر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وقال كارل سكاو، نائب المدير التنفيذي للبرنامج: "نحاول الوصول إلى مليون شخص في أقرب وقت ممكن"، مشيرًا إلى بدء دخول الشاحنات المحملة بالمساعدات، كما أوضح أن البرنامج يعمل على إعادة تشغيل المخابز وتوفير مكملات غذائية للأطفال الأكثر تضررًا من سوء التغذية، مشددًا على أهمية تدفق 600 شاحنة مساعدات يوميًا وفق الاتفاق.
وفي إطار الجهود الإغاثية العاجلة، سيرت قطر الخيرية قافلة مساعدات لدعم سكان القطاع، حيث أكد أحمد يوسف فخرو، مساعد الرئيس التنفيذي للقطاع الإنساني، أن هذه القافلة تعكس التزام المؤسسة بتخفيف معاناة الفلسطينيين، في إطار الاستجابة العاجلة لاحتياجاتهم المتزايدة.
القطاع الزراعي
أظهرت صور الأقمار الصناعية، التي حللتها الأمم المتحدة، أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تضررت نتيجة القصف المستمر، مما أدى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي في القطاع، كما تزايد تدمير المحاصيل الحقلية والبساتين، ما جعل الجوع ينتشر على نطاق واسع بين السكان.
ووفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فقد أدت الحرب إلى نفوق 15 ألف رأس من الماشية، أي أكثر من 95% من إجمالي المواشي في القطاع، إلى جانب فقدان نحو نصف عدد الأغنام، مما يزيد من تحديات الأمن الغذائي ويُفاقم معاناة المزارعين.
القطاع الصحي
يواجه القطاع الصحي في غزة وضعًا كارثيًا، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن النظام الصحي بحاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإعادة تأهيله، ووفقًا للمنظمة، فإن معظم المستشفيات تضررت أو دُمّرت جزئيًا، بينما لا تعمل سوى 38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية.
كما يعاني نحو 30 ألف جريح من إصابات تستدعي رعاية طبية دائمة، بينما يحتاج 12 ألف شخص إلى إجلاء فوري للعلاج خارج القطاع، وأشارت المنظمة إلى أن عمليات الإغاثة تتطلب ضمانات أمنية لتسهيل وصول الطواقم الطبية والإمدادات الأساسية، إضافة إلى إزالة العقبات التي تعيق إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، ورفع القيود المفروضة على حركة المرضى والمسعفين
التحديات التي تواجه قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار
إعادة الإعمار كما ينص عليها اتفاق وقف إطلاق النار:
في المرحلة الأولى، تبدأ عمليات إعادة تأهيل البنية التحتية في جميع مناطق قطاع غزة، مع إدخال المعدات اللازمة لفرق الدفاع المدني، وإزالة الركام والأنقاض، وتستمر عملية إعادة التأهيل في جميع مراحل الاتفاق.
كما ستدخل إلى القطاع الوسائل اللازمة لإنشاء مراكز لإيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم أثناء الحرب، ويشمل ذلك بناء ما لا يقل عن 60 ألف مأوى مؤقت (كرفان) و200 ألف خيمة.
وفي المرحلة الثانية تبدأ عمليات وضع الخطط اللازمة من أجل إعادة إعمار شامل في قطاع غزة، يشمل المنازل والبنية التحتية المدنية، إضافة إلى تعويض المتضررين تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات.
أما في المرحلة الثالثة، فيبدأ تنفيذ ما وضع من خطة لإعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 سنوات، ويشمل ذلك المنازل والمباني المدنية والبنية التحتية الأخرى.
الانخراط الدولي في عملية إعادة إعمار غزة
نقلت رويترز عن (12) من الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين الغربيين قولهم إن مناقشات تجري خلف الأبواب المغلقة تشمل إمكانية أن تشرف الإمارات والولايات المتحدة إلى جانب دول أخرى بشكل مؤقت على الإدارة والأمن وعملية إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه وحتى تتمكن إدارة فلسطينية من تسلم المسؤولية.
ونقل التقرير عن مسؤول إماراتي قوله إن أبو ظبي لن تشارك في أي خطة لا تتضمن إصلاحا كبيرا للسلطة الفلسطينية وتمكينها ووضع خارطة طريق موثوقة نحو إقامة دولة فلسطينية.
الرؤية الأوروبية والغطاء السياسي
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي الذي يُعد من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين، نقلت رويترز عن مصادر قولها في أغسطس/آب الماضي إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا قد اقترحت مبادرة لإعادة إعمار غزة.
لكن المبادرة حملت في طياتها شروطا أبرزها نزع سلاح حماس ومنع إعادة تسليحها، فيما تمثل الشرط الأكثر أهمية في عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
وفي ذلك، قال يوسي ميكلبيرغ، الباحث في تشاتام هاوس، إن "نقص الحوكمة في غزة يمثل إحدى أبرز العقبات السياسية أمام إعمار غزة".
وأضاف "يجب حل هذه المشكلة من خلال الآليات الصحيحة سواء دولية أو محلية من أجل التأكد من وجود حوكمة جيدة بما في ذلك الشفافية الكاملة، أي مناقصات لإعادة بناء غزة في الوقت الراهن يشوبها دائما خطر الفساد".
ويعتقد الباحث والكاتب السياسي محمد قواص أن عملية الإعمار تتطلب "غطاءً سياسيا وإجماعا على كيفية إدارتها"،
وأضاف في حديثه إلى DW عربية "بالمعنى الاستراتيجي، قد تكون الأموال متوفرة، لكن هذه الأموال الصادرة عن دول معينة لديها شروط، وهذه الشروط تفرض على أي دولة تستفيد من هذه الأموال سواء كانت مفروضة من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو من الدول المانحة، وأهم هذه الشروط هو من سيحكم غزة وكيف ستدار أموال عملية الإعمار؟
رؤية الولايات المتحدة لإعادة إعمار غزة بعد الحرب الإسرائيلية
ترتكز رؤية الولايات المتحدة لإعادة إعمار غزة على شروط سياسية وأمنية، مع التركيز على ضمان أمن الكيان الإسرائيلي وحماية مصالحه الاستراتيجية، كما تهدف إلى تحقيق استقرار نسبي في القطاع، وفقًا للملامح التالية:
الربط بين الإعمار وسلاح المقاومة
- الشرط الأساسي: تشترط الولايات المتحدة ألا تُستخدم أموال الإعمار لتعزيز قدرات حركة حماس العسكرية أو شرعنتها سياسياً.
- خطة نزع السلاح: تدعم واشنطن فكرة تفكيك البنية العسكرية لحماس ولفصائل المقاومة كجزء من أي اتفاق دائم، مع تأكيد الكيان الإسرائيلي على ضرورة منع إعادة تسليح القطاع.
- دور السلطة الفلسطينية: تُصرُّ الإدارة الأمريكية على ضرورة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، باعتبارها "الممثل الشرعي" للفلسطينيين، على الرغم من ضعفها وتراجع شعبيتها.
التركيز على الشراكات الإقليمية والدولية
- التحالف الدولي: تدعو الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي (بمشاركة دول عربية مثل مصر والإمارات والسعودية) للإشراف على تمويل الإعمار، مع حديث عن استبعاد دول (مثل قطر وتركيا في بعض السياقات).
- الدور المصري: تُعوّل واشنطن على مصر لضبط الحدود مع غزة ومنع تهريب الأسلحة، عبر تعزيز التعاون الأمني مع الكيان الإسرائيلي.
- التنسيق مع الاتحاد الأوروبي: تتفق الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي على ربط المساعدات بإصلاحات في الحوكمة الفلسطينية ومحاربة الفساد.
ربط الإعمار بالحل السياسي
- التهدئة المؤقتة: ترى الإدارة الأمريكية أن إعادة الإعمار يجب أن تكون جزءاً من مسار سياسي أوسع، يُفضي إلى "صفقة تاريخية" بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، لكنها تتجنب الضغط المباشر على الكيان الإسرائيلي لوقف الاستيطان أو دعم "حل الدولتين بشكل فعلي".
- إضعاف قضية اللاجئين: تُؤيد واشنطن إغلاق ملف وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) تدريجياً، ودمج خدماتها تحت مظلة السلطة الفلسطينية، في إطار محاولة لطمس الحقوق التاريخية للاجئين.
التغيير الديموغرافي والهندسة الاجتماعية
- إعادة تشكيل البنية الاجتماعية: تدعم الرؤية الأمريكية (والإسرائيلية) مشاريع إعادة إعمار غزة ببنية تحتية "حديثة" تهدف إلى:
- تفكيك المخيمات الفلسطينية (مثل جباليا وخانيونس) واستبدالها بمجمعات سكنية متعددة الطوابق.
- تقليص الكثافة السكانية في المناطق الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1948، لإنشاء "مناطق عازلة" أوسع.
- تغيير المناهج التعليمية: تشترط واشنطن إصلاح المناهج الفلسطينية كشرط للتمويل، بهدف محاربة ما تسميه "ثقافة الكراهية" تجاه الكيان الإسرائيلي.
التركيز على المشاريع الاقتصادية
- مشاريع البنية التحتية: تُؤيد الولايات المتحدة بناء ميناء بحري في غزة (تحت إشراف دولي) ومحطات لتحلية المياه، لكنها تشترط ربط هذه المشاريع بضمانات أمنية للكيان الإسرائيلي.
- الاستثمار في الطاقة: تدعم خططاً لبناء محطات طاقة تعتمد على الغاز الطبيعي المتوسطي.
التحديات التي تواجه الرؤية الأمريكية
- رفض حماس وفصائل المقاومة الشروط الأمريكية: ترفض الحركة الشروط الامريكية وأن تكون إدارة غزة فلسطينية.
- معارضة الكيان الإسرائيلي تمكين الفلسطينيين: تُعارض الحكومة الإسرائيلية الحالية أي خطوات تمنح الفلسطينيين سيادة فعلية على معابر غزة أو مواردها.
- انقسام المانحين الدوليين: يرفض بعض الدول (مثل قطر) الربط بين الإعمار والشروط السياسية، بينما تُصر دول أخرى (مثل الإمارات) على إشراف السلطة الفلسطينية فقط.
رؤية الولايات المتحدة لإعادة إعمار غزة تخدم في جوهرها الأجندة الإسرائيلية، عبر تحويل القطاع إلى كيانٍ اقتصادي هشٍ خاضع للشروط الأمنية الإسرائيلية، مع تجنب معالجة القضايا الجوهرية كالاحتلال وحق العودة. هذه الرؤية تواجه تحديات كبيرة بسبب التناقض بين مصالح الأطراف المحلية والإقليمية، وغياب الإرادة السياسية لتحقيق تسوية عادلة.
العلاقات الفلسطينية الداخلية
رغم الأجواء الإيجابية التي رافقت الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الإسرائيلي وحماس، سواء على المستوى الفلسطيني أو الإقليمي والدولي، لا تزال العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا، خاصة فيما يتعلق بإدارة غزة وإعادة إعمارها.
التباعد السياسي بين السلطة وحماس بعد الاتفاق
أثار اتفاق وقف إطلاق النار العديد من التساؤلات حول مستقبل دور السلطة الفلسطينية في غزة، وإمكانية إحداث تغيير في طبيعة الحكم داخل القطاع، كما تزايدت المخاوف بشأن مدى تأثير هذا الاتفاق على العلاقة بين الطرفين، وما إذا كان سيؤدي إلى تقارب سياسي أم إلى تعميق الخلافات في مرحلة يصفها المراقبون بأنها "حاسمة" للطرفين.
ففي خطوة تعكس موقفها، أعلنت السلطة الفلسطينية في 16 يناير/كانون الثاني، أي بعد يوم واحد من التوصل إلى الاتفاق، عن تشكيل "خلية أزمة" للعمل في غزة، تضم مختلف الوزارات الخدمية، بهدف إدارة الشؤون الحياتية لسكان القطاع خلال المئة يوم الأولى من تنفيذ الاتفاق، لكن اللافت أن تصريحات السلطة خلت من أي إشارة إلى التعاون مع حركة حماس، مما يعكس استمرار التوتر بين الطرفين.
في المقابل، أعلنت حركة حماس عن استعدادها الكامل لإدارة غزة مؤكدة رفضها لأي فراغ إداري أو سياسي بعد الاتفاق، وجاء في بيانها الرسمي:
"نتابع عمليات إدخال المساعدات، وإغاثة شعبنا بكل ما يلزم، ونؤكّد بذل كافة الجهود لتوفير كل متطلبات الدعم والإسناد اللازمة لإعادة دورة الحياة في قطاع غزة إلى طبيعتها".
كما أكد مسؤولي الحركة أن حماس وافقت على اقتراح مصري بتشكيل لجنة محلية مستقلة لإدارة غزة، إلا أن السلطة الفلسطينية رفضت هذا المقترح، مما دفع الحركة إلى تأكيد أنها لن تسمح بأي فراغ إداري قد يؤثر على استقرار الأوضاع في القطاع.
تصعيد الخطاب الإعلامي وانعكاسه على المشهد السياسي
يعكس الخطاب المتبادل بين الطرفين مدى التوتر السياسي العميق فقد أصدرت حركة فتح في 11 يناير/كانون الثاني، بياناً قبل أيام من إعلان الاتفاق، جاء فيه:
"لا يحق لحماس التي رهنت نفسها لصالح إيران وغيرها من المحاور الإقليمية، ووفرت الذرائع المجانية للاحتلال، أن تعيد إنتاج مغامراتها في الضفة الغربية".
هذه التصريحات تعكس عمق الخلافات السياسية بين الطرفين، والتي قد تعيق أي جهود مستقبلية لتحقيق حكم موحد أو توافق على إدارة القطاع.
خلاصة
بعد أكثر من 15 شهرًا من الحرب الدامية التي شهدها قطاع غزة، جاء اتفاق وقف إطلاق النار ليمنح الفلسطينيين فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنه لم يحقق استقرارًا حقيقيًا، إذ لا تزال التحديات السياسية والأمنية قائمة، وعلى رأسها الانقسام الداخلي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها على مستقبل القطاع.
ويبقى مستقبل غزة مرهونًا بقدرة الفصائل الفلسطينية على تجاوز خلافاتها، وبكيفية تعامل المجتمع الدولي مع المرحلة التالية للحرب، ورغم أن وقف إطلاق النار قد أتاح قدرًا من الاستقرار النسبي، فإن غياب رؤية سياسية موحدة يهدد بتحويل هذا الاستقرار إلى مجرد هدنة مؤقتة، قد تنهار سريعًا تحت وطأة التعقيدات السياسية والأمنية.
توصيات المركز
- إطلاق مبادرة حوار وطني شامل بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، بمشاركة الفصائل الفلسطينية الأخرى، بهدف توحيد الرؤية السياسية والإدارية لإدارة غزة في المرحلة المقبلة.
- تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تكون مسؤولة عن إدارة غزة والضفة الغربية، تتولى الملفات الأساسية مثل الأمن والخدمات والتنسيق مع المجتمع الدولي.
- تشكيل لجنة توافق وطني تعمل على تجاوز الانقسام السياسي، وتحديد آليات لإدارة القطاع بطريقة تضمن الاستقرار.
- رفض أي وصاية دولية أو إقليمية تسعى لفرض حلول تخدم أجندات خارجية دون مراعاة المصالح الفلسطينية.
- بناء موقف فلسطيني موحد تجاه الأطراف الدولية، لضمان إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار دون شروط سياسية مجحفة.
- إطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار بإشراف فلسطيني ودعم دولي، تضمن إعادة بناء المنازل والبنية التحتية بشكل سريع وشفاف.
- ضمان شفافية إدارة المساعدات وإعادة الإعمار من خلال آليات رقابة مستقلة، لمنع الفساد وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
- تمكين المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني من لعب دور رئيسي في ترتيب الأولويات داخل غزة، ودعم مشاريع التعافي الاجتماعي والاقتصادي.
- تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية لإنشاء مشاريع تنموية في غزة، مثل محطات تحلية المياه، وتحسين قطاع الطاقة، وبناء ميناء بحري لدعم الاقتصاد المحلي.
- التعاون مع الوسطاء الإقليميين والدوليين لضمان استمرار وقف إطلاق النار، مع إلزام الكيان الإسرائيلي بوقف الانتهاكات ورفع القيود المفروضة على القطاع.
- الحصول على ضمانات دولية تمنع أي تصعيد عسكري جديد، وتلزم الاحتلال بالحفاظ على التهدئة.
- مواجهة الحملات الإعلامية الإسرائيلية التي تهدف إلى تشويه صورة الفصائل الفلسطينية أو تعميق الانقسام الداخلي، من خلال منصات فلسطينية تقدم رواية متوازنة وموثوقة.
- التعاون مع مؤسسات إعلامية دولية لنقل الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة، وتسليط الضوء على التحديات السياسية والإنسانية بعد الحرب.
- توجيه الإعلام الفلسطيني لدعم الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى كسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على الجرائم الإسرائيلية بطريقة احترافية.
- تعزيز العلاقات الفلسطينية-العربية عبر الإعلام، وكسب دعم الدول الإقليمية لتحقيق الاستقرار في غزة.