غزة والقدس ضحايا تنافس الأحزاب الإسرائيلية في انتخابات الكنيست
تسجل القضية الفلسطينية حضورا في دعاية المتنافسين في انتخابات الكنيست الاسرائيلية الجديدة، حيث تحاول الأحزاب المتنافسة أن تتقدم في السباق الانتخابي من خلال تقديم عروض أفضل للمستوطنين على حساب الدم الفلسطيني والأرض الفلسطينية.
أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات الكنيست في كيان الاحتلال الاسرائيلي، تياران يتصارعان لتشكيل الحكومة تيار اليمين بقيادة حزب الليكود وبنيامين نتنياهو وتيار لا لنتنياهو يتقدمه حزب يوجد مستقبل برئاسة رئيس حكومة الاحتلال "يائير لبيد"، وبينما يتعهد نتنياهو في تغريداته وتصريحاته بحرب على الفلسطينيين وبمنعهم من الوصول الى حقوقهم في دولة فلسطينية مستقلة، يفاخر "يائير لبيد" وشريكه "بيني غانتس" بما ارتكبوه في الاشهر الاخيرة من عدوان بحق الفلسطينيين أدى الى استشهاد العشرات منهم.
تجمع الأحزاب الإسرائيلية على أن مدينة القدس المحتلة بكاملها عاصمة "دولة" الاحتلال، وأن القانون الدولي الذي يعدّ القدس الشرقية أراضي محتلة خطأ، وغير ملزم للإسرائيليين.
كشفت الأحزاب الإسرائيلية، خلال الفترة الماضية، في ضوء الدعاية الانتخابية لها قبل إجراء انتخابات الكنيست، مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، عن برامجها الانتخابية في العديد من القضايا السياسية والداخلية والخارجية، ومن بينها القضايا المرتبطة بقطاع غزة ومدينة القدس، على الرغم من أن الحديث عن هذه القضايا لم يأخذ حيزاً كبيراً من الدعاية الداخلية، فإن ما تم الحديث عنه يعطي فهماً لمكانة المنطقتين في توجهات الناخبين.
وقد تطرقت الأحزاب في برامجها الانتخابية إلى عدد من التوجهات بشأن القضية الفلسطينية، ولا سيما الوضع في قطاع غزة ومدينة القدس المحتلة، وسط غياب لمفهوم التعايش مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذي يشير بشكل واضح إلى استمرار انجراف الأحزاب بمختلف توجهاتها إلى نقطة التطرف واليمينية التي تطغى على مجتمع الاحتلال منذ عقود، بغضّ النظر عن المسميات يمين أو وسط أو يسار.
في هذا المقال، نسلط الضوء على توجهات مختلف الأحزاب في "دولة" الاحتلال (اليمين والوسط واليسار) تجاه مدينة القدس المحتلة وقطاع غزة، باعتبار المدينة المقدسة محور الصراع، وقطاع غزة المعضلة التي لا يوجد لها حل في الوقت الحالي، فيما سنفرد مقالاً ثانياً للحديث عن الضفة الغربية المحتلة في البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية.
زيادة تهويد مدينة القدس والأقصى
وفي انتخابات الكنيست التي ستجرى في 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل للمرة الخامسة في أقل من 4 أعوام، لا يبدو الخطاب الانتخابي أقل عنصرية فيما يتعلق بالقدس والمقدسيين. ومع اقترابها تزداد وعود المرشحين بتهويد القدس والأقصى، ويتنافس هؤلاء في تقديم عروض لصالح الجماعات الاستيطانية الأكثر تطرفا.
تجمع الأحزاب الإسرائيلية على أن مدينة القدس المحتلة بكاملها عاصمة "دولة" الاحتلال، وأن القانون الدولي الذي يعدّ القدس الشرقية أراضي محتلة خطأ وغير ملزم للإسرائيليين، فيما توظف الأحزاب هذه القضية في الانتخابات منذ عام 2019، ومؤخراً كانت قضية القدس بارزة وسط دعوات من الأحزاب اليمينية إلى اتخاذ خطوات أكثر تطرفاً تجاه المسجد الأقصى، وخاصة حزب الصهيونية الدينية الذي دعا إلى تغيير الواقع في المسجد الأقصى والسماح لليهود أداء الصلوات وتأدية الطقوس الدينية داخله طول الوقت، واقتطاع جزء من المسجد الأقصى لليهود.
وأظهرت الدعاية الانتخابية زيادة في الوعود من قبل المرشحين اليمينيين بتهويد مدينة القدس والأقصى، ويتنافس هؤلاء في تقديم عروض لمصلحة الجماعات الاستيطانية الأكثر تطرفاً، فيما يتفاخر حزب الليكود برئاسة نتنياهو أنه حقق لمدينة القدس شيئاً كبيراً عبر نقل السفارات العالمية إلى المدينة المقدسة؛ باعتبارها عاصمة ما يسمّونها (دولة إسرائيل)، بينما سعى يائير لابيد، زعيم حزب "هناك مستقبل"، خلال الأشهر الماضية، للحاق بنتنياهو عبر حث دول جديدة على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"دولة" الاحتلال، ونقل سفاراتها إليها وآخرها بريطانيا.
ومؤخراً، تجنبت أحزاب اليسار الحديث عن الوضع في مدينة القدس المحتلة أمام الناخبين، إذ إن طرحها بأن تكون القدس الشرقية للفلسطينيين يؤدي إلى تراجع التأييد لها، في ضوء استطلاعات للرأي تشير إلى أن من يصوتون للأحزاب اليسارية لا يختلفون في توجهاتهم تجاه مدينة القدس عن اليمينيين.
النظرة إلى قطاع غزة
ويرى حزب الليكود الذي يقوده بنيامين نتنياهو أن قطاع غزة يمثل مشكلة مزمنة بحاجة إلى تحجيمها، وأنه ليس بصدد العمل على إسقاط حكم حركة حماس؛ لأنه لا يوجد خيارات بديلة، والثمن لمثل هذا الخيار كبير، وقد يحمل تأثيرات كبيرة في الأمن القومي، ويحمل نتنياهو رؤية للتعامل مع قطاع غزة وفق استراتيجية "الهدوء مقابل الهدوء".
فيما ترى قائمة تحالف "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، ضرورة استخدام سياسة واضحة تجاه قطاع غزة يتم خلالها توجيه رد قاس على أي عمل عسكري من قطاع غزة تجاه "دولة" الاحتلال، مع ضرورة تحسين مستوى الحياة المعيشية في قطاع غزة لتحقيق الأمن.
بينما يحمل حزب "هناك مستقبل"، برئاسة يائير لابيد، سياسة مختلفة جزئياً عن سابقيه، إذ يمتلك استراتيجية يطلق عليها اسم "الهدوء مقابل الاقتصاد"، وهي تشمل الشروع في خطوات اقتصادية كبيرة تمتد لسنوات تجاه قطاع غزة من أجل تحقيق الأمن، وهذا يهدف إلى "تحقيق الاستقرار على جانبي الحدود، من النواحي الأمنية والمدنية والسياسية والاقتصادية، وسيتعيّن على المجتمع الدولي وسكّان القطاع معرفة أن حماس هي الحاجز الفاصل بينهم وبين الحياة الطبيعية والاستقرار الأمني والمدني والاقتصادي. وبالرغم من ذلك، تلقى استراتيجية لابيد اعتراضات من المستوى الأمني على اعتبار أنها غير كافية لمنع اندلاع مواجهة عسكرية جديدة.
أما حزب العمل اليساري فيدعم تحسين حياة السكان في غزة من خلال محور دولي يتجاوز حماس، بما في ذلك توسيع الطرق وتطوير المناطق الصناعية، وذلك لمنع الأزمة الإنسانية في القطاع، كما يدعم حزب العمل تطوير غزة اقتصادياً مقابل نزع السلاح، وفي إطار مبادرة سياسية ترعاها الأمم المتحدة، كما يشترط الحزب إعادة الأسرى الإسرائيليين المعتقلين لدى حماس كشرط مسبق في التفاهمات المستقبلية مع غزة.
وبجوار العمل، فإن حزب "ميرتس" اليساري يرى أن غزة هي جزء من الدولة الفلسطينية، وأن الانقسام بين غزة والضفة لا يخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية، لذا يجب العمل على تطوير غزة وازدهارها بغض النظر عن الجهة المسيطرة عليها، وأن حزب "ميرتس" سيعمل على رفع الحصار عن غزة.
حزب (إسرائيل بيتنا)، بقيادة أفيغدور ليبرمان، يرى أنه يجب العودة إلى سياسة الاغتيالات ووقف دفع الأموال لحماس واشتراط أي مساعدة بالإفراج عن الأسرى المعتقلين لدى حماس في غزة.
حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراة" وضعا محددات للتعامل مع الوضع في قطاع غزة وخارجه بالاعتماد على المنظومة الأمنية والثقة بها وبطريقة تعامل زعيم تكتل اليمين، بنيامين نتنياهو، في القضايا الخارجية والأمنية.
في المقابل، تدعم الأحزاب الصهيونية الدينية ضرب غزة بقوة، وتدعم أيضاً العودة إلى مستوطنات غوش قطيف (المستوطنات التي انسحب منها الاحتلال في العام 2005 ضمن خطة فك الارتباط مع قطاع غزة).
بالمجمل، تتفق جميع الأحزاب الإسرائيلية على أنه لا حل للوضع في قطاع غزة، وأنه يمثل معضلة أمنية لا تستطيع أدوات "الدولة" التخلص منها بسهولة، وأن أياً من الأحزاب التي تنافس في الانتخابات الحالية لا تحمل تصورات للحل سوى حلول يتم طرحها لضمان أطول فترة هدوء مع قطاع غزة، ومنع تنامي قوة المقاومة العسكرية فيها.