حق التصويت والترشيح في الانتخابات الإسرائيلية لفلسطيني 48 سيف ذو حدين
منذ نشأة (إسرائيل) وحتى يومنا هذا وفلسطينيو الداخل يعانون من السياسة "الإسرائيلية" العنصرية الهادفة إلى تحجيم الوجود العربي داخل مناطق الـ48 من جهة، والسيطرة على جميع مناحي حياة فلسطينيي الداخل من جهة ثانية، وبالتالي لا بد من الغوص تاريخياً وسياسياً في خلفية سياسة الاضطهاد والقمع التي يتعرض لها عرب الـ48 منذ نشأة (إسرائيل) ككيان استيطاني على الأرض الفلسطينية وحتى يومنا هذا، والسؤال المطروح: هل كانت العلاقة بين (إسرائيل) وعرب الـ48 علاقة عادية بين دولة ومواطنيها؟ أم أنها علاقة خاصة تندرج في أطر استراتيجية إسرائيلية خاصة نحو فلسطينيي الداخل؟
انتخابات الكنيست القريبة التي ستجري يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، هي خامس انتخابات خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يعبر عن "أزمة سياسية" تتمثل بالفشل في تشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية في ظل الانقسام الحاد في الشارع الإسرائيلي بين معسكرين متقاربين من حيث القوة، الأول هو معسكر رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، والثاني هو المعسكر المناوئ له.
السيطرة الإسرائيلية السياسية:
لا بد من التطرق إلى عنصر السيطرة السياسية على عرب الـ48 والتناقض السياسي العربي الداخلي كجزء من إستراتيجية السيطرة الإسرائيلية على فلسطينيي الداخل، وهذا ما سنتطرق إليه بإسهاب كالتالي:
السيطرة السياسية على عرب الـ48، والتناقض السياسي العربي الداخلي كجزء من إستراتيجية السيطرة الإسرائيلي:
يتعرض عرب الـ48 منذ نشأة (إسرائيل) وحتى يومنا هذا إلى سياسة اضطهاد وترويض مبرمجة شملت جميع المجالات الحياتية، وانعكست سلبياً على الوضع العام لعرب 48 سواء اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً وثقافياً، ورغم أن العرب يشكلون نسبة الـ22% من مجموع السكان في (إسرائيل) إلا أنهم ما زالوا مغيبين ومهمشين سياسياً وبعيدين كل البعد عن التأثير في السياسة الإسرائيلية وفي مراكز اتخاذ القرارات التي تتعلق بوضع عرب الـ48 في (إسرائيل)، فبدلاً من أن تسعى (إسرائيل) إلى مساواة العرب في الحقوق سعت هذه منذ قيامها إلى اتجاه احتواء وترويض العرب سياسياً بهدف السيطرة السياسية عليهم من جهة، وبهدف المحافظة على قواعد اللعبة الإسرائيلية من خلال تضليل العرب بشعارات الديمقراطية وفتات الحقوق، مع الإبقاء على وضعهم ووضعيتهم داخل الكيان دون تغيير في جوهر التعامل العنصري من جهة ثانية
من هنا وضمن استراتيجية السيطرة حاولت (إسرائيل) منذ قيامها عزل العرب عن انتمائهم الوطني وتشويه هويتهم التاريخية الفلسطينية، حيث أن العرب لا يعاملون كعرب في المؤسسات والإحصائيات الرسمية الإسرائيلية، بل يطلق عليهم غير اليهود وفي أحسن الأحوال (ميعوطيم) والتي تعني أقليات مختلفة حددت لهم (إسرائيل) ملامح وأسس هوية مزيفة مثل الدروز، البدو، العرب، وذلك، بالرغم من أن الحقيقة التاريخية تثبت زيف هذه التسميات الهادفة لـ "فرق تسد" والسيطرة، ولا يمكنها أن تخفي حقيقة أن هؤلاء جميعاً يشكلون قطاعات فلسطينية وجزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وبالتالي، ورغم فشل (إسرائيل) الذريع في تحديد هوية وتبعية بعض القطاعات العربية إلا أنها تصر على استمرارية نهجها في إنكار الخصوصية التاريخية والحضارية للعرب.
لم تشمل سياسة السيطرة محاولة طمس هوية العرب فحسب، بل إن القمع البوليسي والسياسي كان وما زال أسلوباً ثابتاً في تعامل (إسرائيل) مع الحركات السياسية العربية المطالبة بالمساواة في المواطنة والحقوق والاعتراف بالعرب كأقلية قومية، ولكن الأنكى من هذا كله (ورغم مرور 85 عاماً من النفاق السياسي الإسرائيلي) هو إن العرب في (إسرائيل) لم يحصلوا بعد على الجنسية والمواطنة الحقيقية بمعنى أن قانون المواطنة الإسرائيلي يعني اليهود فقط، بينما الوضع القانوني لوجود العرب يندرج تحت وضعية تأشيرة حق المكوث التي تمنحها الدول عادة للأجانب أو الأشخاص غير المحددة هويتهم ووطنهم !!. ورغم إن العرب في (إسرائيل) يعيشون منذ أكثر من نصف قرن داخل الإطار الجغرافي لدولة (إسرائيل) لكنهم في الحقيقة خارج هذا الإطار من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بمعنى عدم اهتمام (إسرائيل) بمساواة العرب باليهود بل سعت فقط للسيطرة عليهم ضمن أطر علاقة تضمن تعايشهم مع وضعهم ووضعيتهم الدونية مقابل الوضعية الفوقية للشعب السيد في دولة الأسياد. ومنذ قيام (إسرائيل) كانت، وما زالت، مواقف الأحزاب الصهيونية مواقف انتهازية ومنافقة نحو قضايا العرب في (إسرائيل)، حيث إن هذه الأحزاب تغمر العرب بالوعود في فترة الانتخابات ثم تتخلى عنها بعد الانتخابات بل أنها وللمثال لا الحصر تقتل 13 عربياً وتجرح المئات من العرب، مثلما فعلت قوات الشرطة الإسرائيلية عندما قمعت المتظاهرين في هبة أكتوبر/ تشرين الأول 2000 في بداية انتفاضة الأقصى، مع العلم أن العرب منحوا باراك (رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك) 95% من أصواتهم وذلك لأسباب داخلية وتلبية لنداءات خارجية. رغم أنه من الصعب سرد تاريخ الحركة السياسية العربية داخل (إسرائيل) في مقالة واحدة، إلا أنه ومنذ نهاية السبعينات من القرن العشرين بدأت ظاهرة تأسيس الأحزاب العربية المستقلة أو هكذا يحلو لمؤسسيها تسميتها بالأحزاب العربية وغير الصهيونية، مع أن مرجعية البرلمان الإسرائيلي مرجعية صهيونية، وقانون المواطنة الإسرائيلي الذي حرم العرب من حقوق المواطنة الكاملة أقره هذا البرلمان، وبالتالي لا يكمن الخلل في ادعاء قومية وعروبة الأحزاب التي يرأسها بعض العرب، بل إن القضية هنا تمس جوهر ولب إشكالية ووضعية الوجود العربي في (إسرائيل)، والسؤال لمطروح: لماذا منحت (إسرائيل) العرب حق التصويت والترشيح للبرلمان الإسرائيلي وفي المقابل سلبتهم حقوق المواطنة الكاملة؟ وهل تواجد أعضاء برلمان عرب في الكنيست الإسرائيلي جزء من تسويق ديمقراطية (إسرائيل) رغم أن الأعضاء العرب لا يتمتعون بحق المواطنة الكاملة كزملائهم من البرلمانيين اليهود؟
الجواب عن هذه الأسئلة المطروحة يكمن أولاً في إصلاح المسلكية السياسية لكثير من الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي الذين يسببون في بعض الأحيان الإرباك السياسي في فترة الانتخابات البرلمانية والمحلية، حيث تؤدي التعبئة السياسية الخاطئة إلى انقسامات حادة داخل التجمعات العربية إلى حد بروز ظاهرة الاستقطاب والاستنباط القبلي والطائفية، وظاهرة العنف والعنف المقابل بسبب الصراع على الأصوات والمراكز مما يصب في مصلحة استراتيجية السيطرة الإسرائيلية.
هنا لابد من القول إنه من الصعب فهم أن يصبح الفرد (الإنسان) ممثلاً لشعب أو أقلية عضواً في برلمان دولة قبل أن يصبح مواطن هذه الدولة. أليس هذا تناقضاً صارخاً؟ أليس تبني شعار دولة جميع مواطنيها ودولة جميع المواطنين ترسيخاً صارخاً ومفضوحاً للعنصرية الإسرائيلية وترسيخاً لتأشيرة المكوث وليست المواطنة؟
كل ما في الأمر أن (إسرائيل) وبعد أكثر من نصف قرن ما زالت تزف العرب (فلسطينيي الداخل) على نفاق الديمقراطية، بمعنى منحهم حق التصويت والترشيح وإقامة الأحزاب وفي نفس الوقت الحيلولة دون مشاركتهم في صياغة أو التأثير في القرار السياسي الإسرائيلي حتى فيما يتعلق بقضايا العرب أنفسهم، وهذا ما يفسر عملية تحنيط الأعضاء العرب وتهميشهم داخل الكنيست الإسرائيلي، ومن ثم تحويلهم إلى مجرد زخارف للديمقراطية الإسرائيلية. وأخيراً يبدو جلياً أن سياسة (إسرائيل) نحو فلسطينيي الداخل سياسة ثابتة، وترتكز على نقطتين أساسيتين وهما: استمرارية السيطرة بكل أشكالها والوصاية على العرب من جهة، وترسيخ موقع دونية وهامشية العرب داخل الدولة الإسرائيلية مقابل فوقية مطلقة للقطاع اليهودي
الاستراتيجية السياسية:
ارتكزت استراتيجية السيطرة السياسية على الأساليب التالية:
1. الحيلولة دون وحدة المجتمع العربي سياسياً من خلال التجهيل والتضليل الذي اتبعته السياسة الرسمية والأحزاب الصهيونية والموجه ضد وحدة المجتمع من خلال تحالف الدولة مع قوى رجعية وقبلية ورموز انتهازية تتبادل المصالح مع الدولة والأحزاب الصهيونية من جهة، وتلعب دور الوكيل المحلي في ترويج سياسة التضليل وترسيخ الجهل والتجهيل من جهة ثانية، وبالتالي تحالف بين رموز ومخططي سياسة (إسرائيل) ورموز عربية محلية مهمتها الحفاظ على الوضع القائم في القرى والمدن العربية، بمعنى أن مهمة الوكلاء المحليين هي بث الخنوع وعدم جدوى النضال السياسي في تغيير الحالة الاجتماعية والاقتصادية للعرب، وفي المقابل تقوم (إسرائيل) بتلميع رموزها ووكلائها والاعتراف بهم كقيادة محلية في المجتمع العربي. وهم (أي الرموز) في الغالب رموز جاهلة وساقطة وتبحث لها عن دور اجتماعي وقيادي وتجد ضالتها في (إسرائيل) وسياستها.
2. القمع السياسي المباشر وغير المباشر الموجه ضد الحركات والمؤسسات السياسية العربية التي تحاول تغيير أصول اللعبة السياسية الإسرائيلية مع العرب، وتدافع عن حقوق العرب، بمعنى أن القمع السياسي المباشر يعني استعمال (إسرائيل) لقوتها البوليسية والقانونية الخاصة والمغرضة في قمع المظاهرات والاحتجاجات كما حدث في يوم الأرض عام 1976 وبداية انتفاضة الأقصى عام 2000، وغيرها من الاحتجاجات العربية في (إسرائيل)، أما القمع غير المباشر فيتجلى في أسلوب إجهاض الحركات والمؤسسات السياسية الجذرية في المجتمع العربي من خلال طرح (إسرائيل) لبدائل سياسية بواسطة رموز عربية محلية ساقطة، وعميلة مهمتها الدعاية المضادة للحيلولة دون الالتفاف الجماهيري حول المؤسسات والحركات العربية التي تطالب بتغيير الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعرب.
3. يذكر أن (إسرائيل) تركز على عملية الاستقطاب العائلي والتعصب القبلي داخل التجمعات العربية، وتغذي هذا الاستقطاب والتعصب بامتيازات وتسهيلات ونوع من النفوذ المحلي للقيادات العائلية سواء التقليدية منها أو تلك الشابة والمهجنة بمنظر حديث وعقلية فحواها القبلية والعائلية، وهذا ما نلاحظه في فترة الانتخابات المحلية والبرلمانية، حيث يرتكز المرشحون متعلمون أو غيرهم على أصوات ودعم عائلاتهم بالدرجة الأولى ودعم الأحزاب الإسرائيلية.
4. التجهيل الإعلامي والسياسي الذي تمارسه (إسرائيل) للحيلولة دون تبلور وعي اجتماعي وسياسي عربي، وفي المقابل دعم (إسرائيل) بصورة مباشرة وغير مباشرة لثقافة الواسطة والبخشيش داخل التجمعات العربية، بمعنى ترسيخ مفهوم الحصول على وظائف وامتيازات عبر الوسطاء الذين هم غالباً ما يكونون مقربين من سياسة الدولة والأحزاب الإسرائيلية، وبالتالي ستكون النتيجة الحتمية هي التبعية والفساد والخنوع السياسي الذين تعاني منه مجموعات وشرائح اجتماعية عربية من بينها عدد لا يستهان به من شريحة المتعلمين وأصحاب التأثير في المجتمع ككل وسلك التربية والتعليم خاصة.
5. شكّل إعطاء العرب حق التصويت والترشيح في الانتخابات البرلمانية والمحلية الإسرائيلية سيفاً ذو حدين، فمن ناحية أولى كان بمثابة دعاية خارجية لديمقراطية (إسرائيل)، ومن ناحية ثانية إعطاء الدولة والأحزاب الإسرائيلية فرصة التغلغل في المجتمع العربي في (إسرائيل) واللعب على حبل التناقضات السياسية الداخلية واستثمارها لمصلحة الأحزاب الإسرائيلية وسياسة (إسرائيل)، وبالتالي ارتباط عملية تسييس العرب ضمنياً بمشاركتهم في الانتخابات البرلمانية والمحلية، حيث إن هذه المشاركة تضمنت من الناحية الإسرائيلية عملية ترويض العرب وإدخالهم في تناقضات سياسية واجتماعية تخدم بالدرجة الأولى استراتيجية السيطرة الإسرائيلية من جهة، وتقويض العرب سياسياً والحيلولة دون وحدة مطالبهم السياسية ووحدة صفهم من جهة ثانية.