الجرائم والقوانين الصهيونية العنصرية ضد فلسطيني 48 والمشاركة بالانتخابات الإسرائيلية
حملت أحداث النكبة تداعيات عميقة على المتبقين في فلسطين، فعُزلوا عن محيطهم العربي، وسُلبت مواردهم، وتحكّمت دولة (إسرائيل) في جميع مجالات حياتهم اليومية الخاصة والسياسية والاقتصادية – الاجتماعية العامة.
إلى جانب هذا كله، هدمت النكبة الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، وشتتت نخبه الثقافية والاجتماعية والسياسية، ودمرت مرافقه وعلاقاته وأسسه الاقتصادية. كذلك هدمت النكبة المستمرة، معظم مدنه الفلسطينية، وهودت جميعها، وساهمت بصورة كبيرة في تشويه مسار تمدنه.
القوانين الصهيونية التمييزية ضد الفلسطينيين:
يعاني مواطنو فلسطيني 48 جراء معاملة غير متساوية في جميع مجالات الحياة العامة، وعلى زمن متواصل، والتمييز المباشر وغير المباشر المتأصل في الجهاز القانوني منذ إقامة الدولة اليهودية، كما ينعكس هذا في قانون العودة 1950، وقانون المواطنة 1952 اللذين يمنحان أفضلية لليهود والهجرة اليهودية. وعليه، لا يُعتبر العقد الأخير خروجاً عن المألوف، لكنه يتميّز بالتصعيد الجدي والمثابر في القوانين العنصرية التي تُرفع إلى الكنيست سنوياً، والتي تطال مجالات الحياة كافة، منها: حقوق الأرض والتخطيط؛ حقوق اقتصادية واجتماعية؛ حقوق مدنية وسياسية؛ قوانين الإجراء الجنائي وحرية التنظيم.
فعلى سبيل المثال، أحد القوانين التي تطال مجال حقوق الأرض والتخطيط هو قانون مديرية أراضي (إسرائيل) 2009. ويؤسس هذا القانون لخصخصة واسعة للأراضي التي تعود، في معظمها، إلى ملكية اللاجئين الفلسطينيين ومهجري الداخل. ويُسمح بحسب القانون تبادل الأرض بين الدولة والصندوق القومي اليهودي، وهي أرض مخصصة حصرياً للشعب اليهودي، كما يُسمح بتخصيص الأراضي وفقاً لأجهزة «لجان قبول»، وللمرشحين الذين تصادق عليهم مؤسسات صهيونية تعمل بشكل حصري لمصلحة الشعب اليهودي، ويمنح القانون وزناً حاسماً لممثلي الصندوق القومي اليهودي في مجلس سلطة الأراضي الجديد، ذلك الذي استبدلت به مديرية أراضي (إسرائيل).
قانون كيمينس 2016 وهو على اسم رئيس اللجنة التي أوصت بتعديل قانون التنظيم والبناء، ولا يقل خطورة عن سابقه. إذ إنه عبارة عن تعديل قانون التنظيم والبناء لسنة 1965 الذي تم إقراره في إثر قرار اتخذته حكومة (إسرائيل) في حزيران/يونيو 2016 ويقضي بضرورة فرض قوانين التنظيم والبناء، والتعامل بحزم مع موضوع «البناء غير المرخص»، بصورة عامة، وفي المجمعات والقرى العربية بصورة خاصة.
أهم ما حمله القانون هو تقليص صلاحيات المحاكم، وتوسيع صلاحيات الجهاز الإداري بما فيها صلاحيات فرض غرامات باهظة من دون أي إجراء قانوني. فبدلاً من أن تتم معالجة الضائقة السكنية للفلسطينيين، تلك التي يعود سببها المركزي إلى سياسات تمييزية تجاههم، يسهّل القانون على الجهاز الإداري ولجان التخطيط والبناء عمليات الهدم وفرض الغرامات على المواطنين الفلسطينيين.
الحقوق المدنية والسياسية، سُن قانون المواطنة والدخول إلى (إسرائيل) (أمر موقت لأول مرة سنة 2003)، ومنذ ذلك الحين تمدد الحكومة العمل بالقانون سنوياً. وبموجب القانون يُمنع لم شمل عائلات يكون أحد الأزواج مواطناً إسرائيلياً، ويكون الزوج الآخر مواطناً في السلطة الفلسطينية (ما عدا المستوطنين اليهود الذين يسكنون في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية). وبحسب تعديل إضافي للقانون منذ سنة 2007، توسّع حظر لم الشمل، ليشمل المواطنين والسكان من إيران، ولبنان، وسورية، والعراق.
وفي مجال الثقافة أُقر قانون لاستهداف وقمع ازدياد التعبير عن الهوية الفلسطينية في الحيزين الثقافي والفني، وسُنت قوانين تستهدف أي تعبير عن الهوية الفلسطينية عبر تجريمها. فهناك قانون النكبة سنة 2011، الذي يفرض عقوبات اقتصادية على إحياء الذكرى. وهناك أيضاً استهداف للجمعيات التي كان لها دور مركزي في هذا المجال، فسُن قانون يستهدف نشاطها ويحد من قدرة تأثيرها 2016. كذلك سُن قانون المساس بدولة (إسرائيل) بواسطة المقاطعة 2011، والذي بحسبه يُمنع المواطنون من العمل من أجل فرض المقاطعة على المؤسسات الإسرائيلية أو المستعمرات الإسرائيلية في الضفة.
وصلت قوننة العنصرية والتمييز ضد الفلسطينيين إلى ذروتها في قانون أساس: (إسرائيل) دولة قومية للشعب اليهودي 2018، أو المتعارف عليه باسم قانون القومية.95 فلاحقاً للجـدل الذي أُثير بشأن الصيغ المتعـددة للقانون، والمشادات الائتلافية وفي أوساط المعارضة، تم إقرار البنود النهائية للقانون التي تنص أبرزها على أن أرض (إسرائيل) هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن دولة (إسرائيل) هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يمارس حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير، وأن ممارسة حق تقرير المصير في دولة (إسرائيل) حصرية للشعب اليهودي، والقدس الكاملة والموحدة هي عاصمة (إسرائيل)، واللغة العبرية هي لغة الدولة، بينما فقدت اللغة العربية مكانتها كلغة رسمية وتم تعريفها كلغة لها مكانة خاصة في الدولة اليهودية.
تعتبر الدولة من خلال هذا القانون، أن الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وتعمل من أجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته. وهكذا رسخت سلطة القانون الممارسات التي تم تطبيقها منذ النكبة تجاه الفلسطينيين مواطني الدولة. هذا بالإضافة إلى كون القانون يمس الفلسطينيين وأيضاً العرب، إذ يؤكد أن القدس والجولان أراض غير محتلة، وينفي بوضوح ومباشرة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وينفي بتاتاً حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
عنصرية وترهيب وتحريض مؤسساتي:
شهد العقد الأخير تحريضاً متصاعداً من سياسيين إسرائيليين على المجتمع الفلسطيني في (إسرائيل) وعلى ممثليه في الكنيست. وشارك في هذا التحريض، وأحياناً قاده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فوصل إلى درجات غير مسبوقة عشية انتخابات سنة 2015، إذ أدلى في تصريح له من خلال فيديو رُفع على صفحته على الموقع الاجتماعي (الفيسبوك) قائلاً: "العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع بأعدادهم الكبيرة"، في محاولات نزع الشرعية عن التمثيل السياسي للفلسطينيين في البلد، وتجنيد أصوات لليمين بصورة عامة، ولحزب الليكود بصورة خاصة.
شهدت هذه الحقبة تصعيداً في التحريض على الفلسطينيين بصورة عامة، ومنهم الفلسطينيون في (إسرائيل) قيادة ومجتمعاً. فتشير دراسة إسرائيلية لمركز بيرل كاتز – نيلسون97 إلى نشر ما لا يقل عن 175,000 منشور تحريضي على مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية خلال سنة 2016، نصفها تقريباً موجه ضد الفلسطينيين، وأكثر من 85% منها يدعو إلى العنف الجسدي المباشر.
كذلك تميزت هذه الحقبة بتصاعد في عنف الشرطة واستعمال أساليب ترهيبية وتخويفية تجاه التظاهرات السلمية في الداخل الفلسطيني. وقامت قوى الشرطة والقوى الخاصة، في عدة مناسبات، بتفريق تظاهرات من دون أي مبرر وبشكل مناقض للقانون، مستعملين خلالها الضرب والعنف. كما نفّذت اعتقالات وقائية (قبل موعد التظاهرات) واعتقالات كثيرة خلالها برز فيها اعتقال بحق قاصرين، كما جرى في سنة 2016 خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.99 وعلى الرغم من أن الشرطة لم تستعمل النيران الحية في فض أي من التظاهرات لاحقاً لهبّة أكتوبر، فإن فتح نيران الشرطة تجاه الفلسطينيين في الداخل ازداد في السنوات الأخيرة، ليبلغ عدد ضحايا الشرطة وقوات الأمن من بداية سنة 2000 حتى أيار/مايو 2018 نحو 56 ضحية.
كما برزت في السنوات الأخيرة محاولات لتجاوز القيادة السياسية القطرية من خلال مخاطبة الجمهور الفلسطيني مباشرة، أو من خلال تعزيز التواصل مع رؤساء السلطات المحلية، حيناً، وحيناً آخر من خلال أصحاب الأعمال الحرة. لكن خطورة هذه الظاهرة، ولو أنها ما زالت من غير الواضح إن كانت سياسة مرسومة بدقة، تشتد في ضوء الخطة الخماسية لتطوير المجتمع العربي، والتي تمنح قوة معينة للسلطات المحلية، وفي الوقت ذاته، تحاول تدجين رؤساء السلطات المحلية من خلال بنود في الخطة نفسها، كما في بند زيادة الميزانية للسلطات الداعمة للخدمة المدنية، وفي قانون كيمينس، الذي ربما يحوّل السلطات المحلية إلى أداة هدم في يد السلطات الإسرائيلية.
تزايد جرائم القتل في أوساط مجتمع فلسطينيي الداخل بـ(إسرائيل):
يشكّل تفشي ظاهرة العنف تحدياً كبيراً للفلسطينيين في (إسرائيل)، وخصوصاً في ضوء زيادة نسبة الجريمة المنظمة في أوساطهم. وتشير المعطيات إلى ارتفاع مقلق في نسبة العرب المتورطين في الجريمة المنظمة. وترد في معطيات بحث أجراه مركز الأبحاث في الكنيست، بناء على طلب من عضو الكنيست عايدة توما – سليمان عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في حينه كجزء من القائمة المشتركة، أن نسبة ضحايا القتل لكل 100,000 شخص في المجتمع الفلسطيني تبلغ خمسة أضعاف نسبتها في المجتمع الإسرائيلي، وأن 57% ممن تقدم في حقهم لوائح اتهام بشأن القتل هم من غير اليهود، وأن 53% من ضحايا محاولات قتل هم من العرب، ووصلت نسبتهم، سنة 2016، إلى أربعة أضعاف نسبتهم في المجتمع الإسرائيلي.
وتشير معطيات مركز أمان، المركز العربي للمجتمع الآمن، إلى أن عدد ضحايا القتل في المجتمع الفلسطيني لسنة 2019 كانت 94 ضحية، 83 من الرجال، و11 من النساء، وإجمالي عدد الضحايا من المجتمع الفلسطيني منذ سنة 2000 ولغاية 17 أيلول/سبتمبر 2020 وصل إلى 1453 شخصاً (لا تشمل هذه المعطيات ضحايا عنف الشرطة وقوى الأمن).118 وفي تقرير قدمته السيدة حنين زعبي، عضو سابق في الكنيست عن التجمع الوطني الديمقراطي، إلى مراقب الدولة عن تعامل الشرطة مع ملفات الجريمة في المجتمع الفلسطيني 2017 جاء فيه أن 70% من عمليات القتل في المجتمع العربي تتم من خلال استعمال السلاح غير المرخّص، والتي تصل نسبة حيازته في المجتمع الفلسطيني إلى 80%. وورد في التقرير أن نسبة الجريمة في المجتمع العربي هي 7,4 أضعاف نسبتها في الشارع اليهودي، ونسبة مماثلة لها تعكس أيضاً الفرق في احتمال القبض على الجاني في المجتمعين، الأمر الذي يفسر استمرار ارتفاع نسبة الجريمة. هذا فضلاً عن العلاقة المشبوهة بين عصابات الجريمة والشرطة التي تركّز عملها فقط على عدم تسرب نفوذ الأخيرة وتأثيرها إلى الشارع اليهودي، وهو ما يساهم في تقوية البعد الجنائي وفي الوقت ذاته، تقوية الدور الاجتماعي السلبي لتلك العصابات.
هذا وقد بلغت حصيلة ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، منذ مطلع العام الجاري 2022 ولغاية اليوم، بدون احتساب ضحية جريمة القتل التي نُفِّذت في الرامة؛ 88 قتيلا بينهم 11 امرأة، علمًا بأن حصيلة الضحايا في العام الماضي بلغت 111 ضحية بينها 16 امرأة.
واقتُرفت هذه الجرائم، إلى جانب سلسلة لا متناهية من أحداث العنف وجرائم القتل المتفشية في البلدات العربية، في الوقت الذي تتقاعس الشرطة عن القيام بعملها في لجم الجريمة، وملاحقة عصابات الإجرام، وتقديم الجناة إلى القضاء.