هل ستسيطر إيران قريبًا على الضفة الغربية؟
أشار هنري كيسنجر ذات مرة إلى أنه يجب أن تقرر الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما إذا كانت أمة أم قضية. لكن خيار النظام كان واضحًا منذ تأسيسه قبل أربعة عقود: إنه مشروع ثوري، ومشروع إمبراطوري في ذات الوقت. وتهدف طهران الآن إلى نشر إمبراطورتيها للوصول لحدود (إسرائيل).
يتصاعد العنف في الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، والمعروفة أيضًا باسم "يهودا والسامرة". لكن يفشل العديد من الصحفيين وواضعي السياسات في التساؤل عن السبب.
لا تحظى فتح، وهي الحركة التي تهيمن على السلطة الفلسطينية، بشعبية كبيرة. دخل محمود عباس، رئيس فتح ورئيس السلطة الفلسطينية، في العام السابع عشر من ولاية واحدة يفترض أن مدتها أربع سنوات. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في مارس 2022، أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم يريدون أن يستقيل عباس.
أصبح عباس، الذي سيبلغ السابعة والثمانين من العمر في نوفمبر المقبل، استبداديًا بشكل متزايد، ويسجن -بل ويعذب -الصحافيين والنقاد. وبالفعل، ركز عباس كثير من السلطة بيده، بشكل يفوق سلطة سلفه الأكثر شهرة، ياسر عرفات.
ومع ذلك، فإن قبضة عباس غير مستقرة، وخصوم فتح يشقون طريقهم في مناطق رئيسية في السلطة الفلسطينية. وكما روى الصحفي خالد أبو طعمة، من بين آخرين، فإن أجزاء كاملة من الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية تسقط من قبضة عباس. أصبحت المظاهرات المؤيدة لحماس منتشرة. وقد أدت المعارك بين العائلات والعشائر المتنافسة وانتشار الفوضى إلى مطالبة بعض العائلات بتدخل المملكة الأردنية الهاشمية.
تقترب كل من نابلس، جنين، والخليل من حافة الهاوية وكانت بؤراً رئيسية استهدفتها عمليات مكافحة الإرهاب الإسرائيلية الأخيرة. منذ ربيع عام 2022، اعتقل جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر من 1500 إرهابي في عمليات شبه يومية. تعرض القوات الإسرائيلية خلال العملية، التي أطلق عليها اسم "كاسر الأمواج"، لهجمات روتينية. وتنذر وتيرة المداهمات المتزايدة بسوء الوضع.
وقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد من "واقع متغير" في الضفة الغربية في تصريحات له في 8 سبتمبر 2022. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي في وقت سابق من هذا الأسبوع: "تنبع الزيادة في الإرهاب في جزء منها من عجز قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، ما أدى إلى عدم وجود سلطة في مناطق معينة من يهودا والسامرة، وهذا وفر أرضاً خصبة للإرهاب".
توجه السلطة الفلسطينية اللوم لـ(إسرائيل). حيث صرح أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأنه "لا يوجد سبب" لاستمرار تعاون السلطة الفلسطينية الأمني مع (إسرائيل). يسيطر عباس على منظمة التحرير الفلسطينية، مثل فتح والسلطة الفلسطينية أيضًا.
وقد نددت وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية بعمليات مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، ووصفتها بـ "القمع والاضطهاد". لكن هذا الأمر له وجهتين للنظر. تعاون السلطة الفلسطينية الأمني مع (إسرائيل)، على الرغم من محدوديته، لا يحظى بشعبية لدى العديد من الفلسطينيين. من غير المرجح أن تذرف فتح أي دموع عندما تنفذ (إسرائيل) عمليات تقضي على منافسيها على السلطة. لكنها في نفس الوقت قد تسعى إلى التنافس معهم.
في الواقع، بينما يواصل وكلاء إيران مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني ولجان المقاومة الشعبية تحقيق مكاسب في الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، يبدو أن شعار فتح هو "إذا لم تتمكن من هزيمتهم، انضم إليهم".
كما وثق جو تروزمان، المحلل والباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، هاجم العديد من أعضاء أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مؤخرًا وهددوا القوات الإسرائيلية التي تنفذ عمليات مكافحة الإرهاب. لقد أشادت السلطة الفلسطينية وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ فترة طويلة بالهجمات الإرهابية -بل حرضت عليها، ورفض عباس نفسه مطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن دفع رواتب معفاة من الضرائب لأولئك الذين يقتلون اليهود ويشوهونهم. حتى أن هناك حالات في الماضي قام فيها عناصر أمن السلطة الفلسطينية بتنفيذ هجمات. ومع ذلك، كما أشار تروزمان في مجلة لونق وور جورنال، فإن الارتفاع الطفيف يشير إلى أن "السلطة الفلسطينية تفقد السيطرة على أجهزتها الأمنية ظاهريًا". وحذر من أن السلطة الفلسطينية تشهد "تآكل سلطتها في مناطق الضفة الغربية".
يُعتبر تراجع نفوذ السلطة الفلسطينية، وما يوازيه من صعود للمنافسين الذين ترعاهم إيران، أمران يستحقان الاهتمام الاعلامي.
تم إنشاء السلطة الفلسطينية نتيجة اتفاقية أوسلو للسلام التي تدعمها الولايات المتحدة قبل ما يقرب من ثلاثة عقود. تلقت السلطة الفلسطينية مساعدات دولية كبيرة، مقابل الوعد بنبذ الإرهاب والتعاون مع المسؤولين الإسرائيليين. على الرغم من رفض السلطة الفلسطينية للعديد من العروض الأمريكية والإسرائيلية للسلام مقابل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ظل دعم السلطة الفلسطينية، سواء كان جيدًا أو سيئًا، الركيزة الأساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين.
كانت السلطة الفلسطينية تسيطر على قطاع غزة، حتى خسرت الانتخابات، وحدث بعد ذلك حرب قصيرة، في عامي 2006 و2007 على التوالي، لتخسر السيطرة على القطاع لصالح حركة حماس. صدمت هذه الأحداث العديد من المراقبين الغربيين، الذين اعتقد الكثير منهم أن حماس الإسلامية تمثل الماضي وليس المستقبل.
تأمل إيران في أن يسيطر وكلائها على الضفة الغربية أيضًا. وكما يعتقد مارك دوبويتز وديفيد ماكسويل من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، أن إيران تسعى لإغراق (إسرائيل) في "حلقة من النار". مع تواجد حزب الله في لبنان وسوريا، وسيطرة حماس على غزة، ووجود النظام الملكي الهاشمي الضعيف في الأردن، فإن الضفة الغربية هي البؤرة الأخيرة المتبقية. إذا سيطر عليها وكلاء إيران، فستكون طهران في وضع أفضل لتحقيق طموحها المعلن: تدمير (إسرائيل).
تحذر مؤسسة "كاميرا" منذ سنوات من تنامي النفوذ الإيراني في المناطق التي تسيطر عليها فتح. وبينما كان عباس معاديًا لإيران بشكل صارم، لا ينبغي أن يؤخذ هذا على أنه أمر مسلم به.
لعب عرفات دورًا رئيسيًا في دعم الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وحافظ على العلاقات مع النظام لعقود. وبالفعل، لعبت قضية "كارين أ" عام 2002، التي اعترض فيها الجيش الإسرائيلي 50 طنًا من الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى عرفات، دورًا رئيسيًا في قرار إدارة جورج دبليو بوش بالتخلي عن دعم زعيم منظمة التحرير الفلسطينية. وكما وثقت مؤسسة "كاميرا"، في السنوات الأخيرة، دعا العديد من كبار مسؤولي فتح، مثل عباس زكي، إلى تجديد العلاقات مع طهران.
يبدو في الوقت الحالي، أن المزيد من العنف وعدم الاستقرار أمر محتمل ومتوقع، حيث حذر بعض المحللين من أن الأعياد اليهودية المرتقبة، في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر، ستجلب المزيد من الهجمات الإرهابية.
في فيلم "الشمس تشرق أيضًا" "لإرنست همنغواي"، سُئلت أحد الشخصيات كيف أفلست. أجابت: "تدريجياً، ثم فجأة". في الضفة الغربية، قد تجد الولايات المتحدة نفسها قريبًا في مأزق مماثل.