فوضى في السلطة الفلسطينية: من مكافحة "الإرهاب" إلى إعادة الإعمار
معهد الأمن القومي
الضفة الغربية تحترق، والمزيد المزيد من الشباب الفلسطيني ينضمون للمقاومة المسلحة ضد (إسرائيل) ولا يقبلون بوجود السلطة الفلسطينية أو زعيمها. يزيد الرد الإسرائيلي من خلال -عملية كاسر الأمواج - من الدافع نحو موجات "إرهاب" إضافية، وأجهزة السلطة الفلسطينية غير قادرة، وبالكاد تعمل، على نزع فتيل الوضع المضطرب. الفوضى على الباب، و "اليوم التالي لعباس" أصبح موجودًا بالفعل. كيف تُخرج (إسرائيل) نفسها من دائرة التصعيد التي تتغذى على التصعيد نفسه؟
شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعًا حادًا في استخدام الذخيرة الحية في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ضد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وكذلك في عدد حوادث إطلاق النار وغيرها من الهجمات. يقف وراء إطلاق النار في الأساس شبان فلسطينيون، من ضمنهم نشطاء من فتح، وهذه الظاهرة تعكس الفوضى الموجودة داخل السلطة الفلسطينية. يُولد الرد الأمني الإسرائيلي، الذي يركز على مكافحة "الإرهاب" والاعتقالات الواسعة للمشتبه بهم، حلقة من التصعيد ذاتية الاستدامة ويزيد من الحافز لدى الشباب الفلسطيني للانخراط في القتال ضد قوات الأمن الإسرائيلية. الخطر هو أنه نتيجة للفوضى، ستتوقف السلطة الفلسطينية عن العمل ككيان مسؤول ومستقر وفعال يشجع الهدوء ويعمل كجهة رسمي للتواصل مع (إسرائيل). للحد من هذا الاتجاه وإعطاء السلطة الفلسطينية فرصة، ربما أخيرة، لاستعادة السيطرة على شمال الضفة الغربية ووقف التدهور، يجب مواصلة إجراءات إعادة الإعمار الموجهة للسلطة الفلسطينية، وينبغي تجنيد التعاون والدعم الخارجيين لهذا الجهد، وفي المقام الأول من الأردن ودول الخليج.
شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعًا حادًا في استخدام الذخيرة الحية في المدن الفلسطينية ضد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وكذلك في عدد حوادث إطلاق النار والهجمات ضد مواقع الجيش الإسرائيلي والجنود والسيارات المدنية على الطرق في الضفة الغربية. وقد صرح مدير وكالة الأمن الإسرائيلية "رونين بار" في مؤتمر عقد في 11 سبتمبر في جامعة "رايشمان" أن أكثر من 130 حادثة إطلاق نار وقعت في المنطقة حتى الآن خلال هذا العام، في زيادة كبيرة عن عام 2021، حيث وقعت 98 حادثة، و19 حادثة في 2020. بحسب بار "هذا هو تعبير عن غياب السلطة، وعن مدى وجود السلاح في المنطقة، وعدم فاعلية عمل الاجهزة الامنية الفلسطينية". وأضاف أنه وبسبب تصاعد العنف، تقوم قوات الأمن الإسرائيلية كل ليلة بعمليات اعتقال وبمكافحة "الإرهاب"، مع تزايد حصيلة عدد الضحايا الفلسطينيين الذي وصل الى 81 قتيلاً منذ بداية عام 2022، ما يؤدي لمزيد من الإضرار بمكانة أجهزة الأمن الفلسطينية.
من جانبها، تواصل (إسرائيل) الالتزام بالخطة العملياتية للحملة المستمرة ضد "الإرهاب" التي تسميها-عملية كاسر الأمواج -التي تركز على دخول القوات إلى المناطق السكنية الفلسطينية لتفكيك البنية التحتية "للإرهاب" واعتقال "الإرهابيين". منذ بداية العام، تم إلقاء القبض على حوالي 2000 من المشتبه في أنهم "إرهابيون" وتم إحباط أكثر من 240 هجومًا كان يخطط لها، من ضمنها إطلاق نار وهجمات انتحارية وهجمات تفجيرية وعمليات اختطاف.
يعكس التصعيد اتجاهات وظواهر معينة، بعضها خاص ومتعلق بالوقت الحالي:
- حشود كبيرة من المشاركين: العشرات بل المئات من المسلحين الفلسطينيين يشاركون في عمليات إطلاق النار المنطلقة من القرى والمدن الفلسطينية، بمن فيهم رجال أمن يعملون في الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونشطاء فتح. علاوة على ذلك، فإن الحركة نفسها تدعم الأحداث وترعى الجناة. وهذا توجه جديد يتميز بتجنيد جيل الشباب الذي يمر بعملية تطرف وانضمام "للجماعات الإرهابية" في إطار كتائب شهداء الأقصى. يُذكر أن عدد القتلى المنتمين إلى كتائب الأقصى هو الأعلى مقارنة بغيرها من التنظيمات. ومضمون هذا الاتجاه هو توسع دوائر المقاومة خارج حماس والجهاد الإسلامي. وتتجلى حدة الظاهرة جزئيًا في مشاركة بعض أبناء ضباط الأمن الفلسطينيين في "المقاومة العنيفة".
- عدم فاعلية الأجهزة الأمنية الفلسطينية: هناك ظاهرة أخرى تتعزز وتزداد متمثلة بعدم فاعلية الأجهزة الأمنية الفلسطينية وموقفها السلبي تجاه الأحداث. لقد توقفوا عن العمل ضد البنية التحتية "الإرهابية" والعنف في شمال الضفة الغربية، وكذلك في منطقة الخليل. من دواعي القلق الشديد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن مدن فلسطينية إضافية ستقع فعليًا تحت السيطرة الكاملة للجماعات المسلحة، كما يحدث في جنين ونابلس.
- انخفاض التنسيق الأمني: في الماضي، منح المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون درجات عالية نسبيًا للأجهزة الأمنية الفلسطينية لجهودها في إحباط "الإرهاب" حيث "تم إحباط ما يصل إلى 30 في المائة من جميع الهجمات". لكن في الآونة الأخيرة، كان هناك تنسيق أمني أقل، كميًا ونوعيًا، بما في ذلك مشاركة أعضاء من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تعطيل أنشطة الجيش الإسرائيلي، إلى حد إطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي. المجال الوحيد الذي ما زالت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تمارس فيه نشاطها هو النضال ضد معارضي السلطة الفلسطينية والاعتقالات السياسية.
- سياسة المنافع الإسرائيلية: هذه السياسة تهتم بالنخبة الفلسطينية وتهمل "الهوامش" الفلسطينية. تقدم (إسرائيل) مزايا للمسؤولين وأجهزة السلطة الفلسطينية، جزئيًا من خلال توفير بطاقات VIP، وتصاريح عمل في (إسرائيل) لمعاوني المسؤولين، والحصول على الرعاية الطبية. لكن التطرف و"الإرهاب" ينبعان من مخيمات اللاجئين، موطن "دفيئات الإرهاب"، وبغض النظر عن الإجراءات المضادة والاعتقالات، لا توجد خطط لإعادة الإعمار والتنمية لهذه المناطق تهتم بالاقتصاد والتوظيف والتعليم.
- "اليوم التالي لعباس" أصبح واقعاً: يُعبر التصعيد عن غياب منظومة الحكم وضعف مكانة محمود عباس في الشارع الفلسطيني. في الواقع، هناك صراع جاري على الخلافة، وهناك استياء واسع النطاق من تفضيل عباس لحسين الشيخ وتعيينه خليفة محتمل. جميع المرشحين لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية ينتمون إلى الحرس القديم، لكنهم يفتقرون إلى الشرعية والدعم الشعبي وليس لديهم القدرة على فرض حكمهم أو فرض القانون والنظام. الواقع الحالي هو نموذج أولى للفوضى المتوقعة في «اليوم التالي لعباس».
- الجمود السياسي: يأخذ شباب راديكاليون زمام المبادرة وأجهزة السلطة الفلسطينية غير فعالة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الجمود السياسي المستمر بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021، وجه عباس إنذارًا أخيرًا مفاده، إذا لم يتم تجديد العملية السياسية في غضون عام، فإنه يعتزم سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ(إسرائيل) -حتى تعترف (إسرائيل) من جانبها بدولة فلسطينية على طول حدود عام 1967 -والتنصل من الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) بما في ذلك التنسيق الأمني. كرر عباس هذه التهديدات عدة مرات خلال العام الماضي، ويبدو أنه ينوي تنفيذها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر. بالإضافة إلى ذلك، يحاول عباس مرة أخرى دفع العالم للاعتراف بدولة فلسطينية على طول حدود عام 1967. وبالتالي، فإن التصعيد الحالي داخل أراضي السلطة الفلسطينية يساعد عباس فعلاً في جذب الاهتمام الدولي تجاه القضية الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة.
في ظل هذا التصعيد الأمني، نقلت شخصيات من الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية رسائل تحذير للحكومة الإسرائيلية. وأعرب مسؤولون في واشنطن والقاهرة عن قلقهم من خروج الوضع عن نطاق السيطرة. وهم يزعمون أن النشاط المتزايد للجيش الإسرائيلي داخل أراضي السلطة الفلسطينية يذل السلطة الفلسطينية ويزيد من تقويض صورتها الضعيفة بالفعل بين الجمهور الفلسطيني. كما حذرت الشخصيات المصرية من أن التصعيد المستمر سيواجه (إسرائيل) باندلاع عنيف واسع النطاق وفوضى في المناطق.
الخاتمة والتوصيات:
يركز الرد الأمني الإسرائيلي على مكافحة "الإرهاب" والاعتقالات واسعة النطاق للمشتبه بهم كل ليلة تقريبًا، خاصة في شمال الضفة الغربية. ومن المفارقات، مع ذلك، أن هذا يشجع على موجات إضافية من "الإرهاب والعنف" ويزيد من دافع الشباب الفلسطيني للالتحاق بالقتال ضد قوات الأمن الإسرائيلية. معظم هؤلاء الشباب لم يشهدوا الانتفاضة الثانية ودوافعهم ليس فقط كراهية (إسرائيل) ومقاومة الاحتلال، ولكن أيضًا الاشمئزاز من السلطة الفلسطينية وزعيمها محمود عباس.
تواصل (إسرائيل) زيادة عدد تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في (إسرائيل)، كسياسة تهدف إلى تحقيق الهدوء واستقرار الوضع ومنع الاضطرابات في الشارع الفلسطيني. ومع ذلك، فإن إمكانية الدخول للعمل في (إسرائيل) تشجع على التسلل غير القانوني من قبل الفلسطينيين الذين ليس لديهم تصاريح عمل، بما في ذلك أولئك الذين يحاولون شن "هجمات إرهابية". وعلى الرغم من الجهود المتزايدة للجيش الإسرائيلي لإغلاق الجدار الفاصل، لا تزال هناك العديد من الثقوب في الحاجز الأمني، وحادثة التسلل إلى (إسرائيل) الأسبوع الماضي من قبل "الإرهابي" المسلح من نابلس واعتقاله في يافا يؤكد على الحاجة إلى إغلاق الجدار بإحكام.
علاوة على ذلك، ركزت (إسرائيل) في السنوات الأخيرة على تشجيع المبادرات الاقتصادية وتهيئة الظروف لإعادة بناء البنية التحتية في قطاع غزة وتحسين أوضاع السكان هناك، مع إهمال وإضعاف السلطة الفلسطينية. من الصعب على (إسرائيل) منع دائرة العنف، في ظل التدهور داخل أراضي السلطة الفلسطينية، لذلك هناك خطر متزايد من الوصول إلى نقطة الجمود، مع سيطرة الفوضى، وعدم قدرة السلطة الفلسطينية نفسها على العمل كجهة مسؤولة ومستقرة، وككيان فاعل يساهم في التهدئة ويُمثل العنوان الرسمي للتواصل مع (إسرائيل).
لذلك، يجب على (إسرائيل) التقدم وإشراك الأطراف المعنية في إجراءات إعادة الإعمار على وجه التحديد الموجهة للسلطة الفلسطينية داخل أراضيها في الضفة الغربية كجزء من مبادرة مكونة من عنصرين:
- نقل السيطرة الكاملة على كامل منطقة شمال الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، مقابل التزامها بمنع "الإرهاب" والقضاء على البنية التحتية "للإرهاب" إلى جانب فرض القانون والنظام. هذه المنطقة هي منطقة فلسطينية متجانسة بدون مستوطنات إسرائيلية، وبالتالي تشهد مستوى منخفض من الاحتكاك بين السكان الفلسطينيين والإسرائيليين. يجب نقل السيطرة إلى السلطة الفلسطينية تدريجياً، مع معايير أداء لتقييم عزم وفعالية السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. يجب أن يشارك المنسق الأمني الممثل للأردن والولايات المتحدة في تحديد المعايير، ويجب أن يشمل جزء من عملية النقل زيادة قدرات الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية إلى جانب مراقبة استيفائها للمعايير التي تم الاتفاق عليها.
- التركيز على الحصول على الموارد لإعادة بناء مناطق "الهوامش الفلسطينية" حيث تتنامى بؤر "الإرهاب" ومروجو الفوضى. ويتم ذلك من خلال حشد الأردن ودول الخليج للاستثمار في بناء مراكز تدريب وتشغيل للشباب الفلسطيني، وكذلك إنشاء كليات مهنية وتكنولوجية تحت رعاية وفي إطار السلطة الفلسطينية. مثل هذه البرامج التي تركز على الشباب الفلسطيني ستقدم لهم بدائل "للإرهاب والعنف"، وستعزز مكانة وأداء السلطة الفلسطينية.
عملت كمستشارة سياسية للسفير الإسرائيلي المتجول في البعثة الإسرائيلية غير الرسمية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومحررة مشاركة سابقة لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية. ومتابعة ومحللة لوسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية.
جنرال احتياط شغل العديد من المناصب العليا في جيش الدفاع الإسرائيلي في الاستخبارات والتعاون العسكري الدولي والتخطيط الاستراتيجي، انضم إلى معهد دراسات الأمن القومي عام 2012 كباحث رئيسي. ويترأس حاليًا برنامج الأبحاث على الساحة الفلسطينية.