معضلة الشرق الأوسط الأمنية
نيوزوييك، سبتمبر 2022.
سيطرت في الأشهر الثمانية عشر الأولى من ولاية الرئيس جو بايدن، الدبلوماسية حول القضية النووية على العلاقات الأمريكية الإيرانية التي لا يبدو أنها تنتهي أبدًا. لكن هناك نزاع أكبر بين واشنطن وطهران يجري تحت السطح، وإذا لم تتم إدارته بشكل مناسب، فقد يزيد التوترات في الشرق الأوسط وربما يتحول إلى مواجهة.
تنخرط كلتا الدولتين في معضلة أمنية كلاسيكية، حتى في الوقت الذي تحرص فيه الولايات المتحدة وإيران على التظاهر بأن المحادثات النووية مازالت على قيد الحياة. تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة على تعزيز أمنهم من خلال سلسلة من الإجراءات الدفاعية. في الأسبوع الماضي، قامت قاذفتان أمريكيتان من طراز بي 52، محاطة بطائرات مقاتلة إسرائيلية وسعودية وكويتية، بمهمة تواجد فوق شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر، وقد شاركت الطائرات الإسرائيلية فقط عندما حلقت طائرات بي 52 في المجال الجوي الإسرائيلي. ومع ذلك، تنظر إيران إلى هذه الإجراءات الدفاعية نفسها على أنها تهديد لأمنها، وتجبرها على الرد بإجراءات خاصة بها. والنتيجة، يصبح كلا الجانبين، مع مرور الوقت، أقل شعورًا بالأمان على المدى الطويل.
تعد رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط في يوليو مثالاً على ذلك. حيث جاءت الاجتماعات في وقت يمر فيه الشرق الأوسط بتحولات سياسية دراماتيكية. على سبيل المثال، تعمل (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية على إقامة علاقة أوثق مع بعضهما البعض، مدفوعة بالرغبة في احتواء إيران، وكلاهما يعتبرانها التهديد الأساسي لأمنهما القومي. ليست الرياض وحدها في هذا التوجه. ففي مارس، التقى كبار الضباط العسكريين من (إسرائيل) والعديد من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر والأردن ومصر، في منتجع شرم الشيخ المصري لمناقشة شكل التعاون العسكري بينهما. كان البند الأول على جدول الأعمال، هو كيفية الدفاع والتصدي للصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية. بالنسبة لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المنافسين الرئيسيين لطهران في المنطقة، فإن القدرات العسكرية غير المتكافئة لصالح إيران ليست بالشيء الذي يمكن تجاهله. في واحدة من أكثر الهجمات شهرة في تاريخ المملكة، ضربت مجموعة من الطائرات الانتحارية بدون طيار وصواريخ كروز الموجهة، التي من المحتمل أن تكون نفذتها إيران، أهدافًا متعددة في منشأتين نفطيتين رئيسيتين سعوديتين، مما قلل من قدرة المملكة على إنتاج النفط بمقدار النصف.
بالنسبة للسعوديين والإماراتيين، فإن العلاقات الأمنية ذات المنفعة المتبادلة مع (إسرائيل)، وهي القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، هي إجراء دفاعي منطقي. سيكون مثل هذا الترتيب أيضًا نعمة لـ(إسرائيل)، التي خطت خطوات كبيرة في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية حتى قبل توقيع اتفاقيات إبراهيم في عام 2020. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التوافق المتزايد للمصالح بين الشركاء في المنطقة من شأنه أن يعطي لواشنطن، نظريًا، فرصة لتقليص دورها في الشرق الأوسط.
ترى إيران أن الشراكة العسكرية المحتملة بين (إسرائيل) والخليج العربي تشكل خطرًا كبيرًا على أمنها، خاصة إذا كانت مدعومة من واشنطن. لا تمتلك إيران أي دول حليفة قوية في المنطقة، باستثناء سوريا بشار الأسد، الضعيفة والفقيرة والمعتمدة على الدعم العسكري الإيراني. بينما يتلقى كل من حزب الله وحماس والحوثيين دعمًا إيرانيًا، إلا أن السؤال يظل مفتوحًا عما إذا كانوا سيهبون للدفاع عن إيران في حالة نشوب صراع. في غضون ذلك، لا تقترب ميزانية الدفاع الإيرانية البالغة 24.6 مليار دولار من ميزانية المملكة العربية السعودية، التي أنفقت حوالي 55 مليار دولار على جيشها العام الماضي.
تتفهم طهران أنها تعيش في بيئة صعبة، وليس لديها نية للبقاء صامتة بينما يعمل خصومها لبناء تحالفات. استقبلت إيران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأذرع مفتوحة في يوليو، ويبيع الإيرانيون طائرات مسيرة مسلحة لروسيا محلية الصنع لاستخدامها في أوكرانيا، وهو نوع من المعاملات التجارية التي يمكن أن تتحول ببطء إلى علاقة عسكرية أكثر منهجية. يحاول الإيرانيون، المحاطون بالخصوم وباحتمالية مواجهة كتلة عربية خليجية إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة، تشكيل تحالف يوازن ذلك التحالف مع روسيا والصين، وهما قوتان، مثل إيران، لديهما تجربة مباشرة مع العقوبات الأمريكية وتشاركهما إيران هدف تقويض النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
من المرجح أن يرد الإيرانيون بطرق أخرى أيضًا. على الرغم من أن الشراكة الأمنية الشاملة بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة موجهة نحو تقليل تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإن مثل هذا الاتفاق سيقنع طهران عن غير قصد بمضاعفة تطوير الصواريخ الباليستية لهزيمة تلك الدفاعات الصاروخية.
تمتلك طهران بالفعل أكبر مخزون صواريخ في الشرق الأوسط. بعد عزلها عن التكنولوجيا العسكرية الغربية ووجود جيش تقليدي قديم في أحسن الأحوال، استثمر الإيرانيون موارد كبيرة في إنشاء برنامج صاروخي متنوع ويستخدمون برنامجهم الفضائي لتحسينه. يجب أن تتوقع واشنطن وشركاؤها أن تستمر إيران في القيام بذلك في السنوات المقبلة، خاصة إذا كانت إدارة بايدن تعتزم إنشاء نظام دفاع جوي إقليمي مصمم خصيصًا لمواجهة قدرات إيران النوعية.
هل هذا يعني أن (إسرائيل) والسعودية وبقية دول الخليج يجب ألا تتعاون في مواجهة تحد أمني مشترك؟ ليس بالضرورة.
لكن لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بالتفكير في أن شراكة افتراضية معادية لإيران ستدفع الإيرانيين نحو سياسة خارجية بناءة أكثر. ما تعتبره الولايات المتحدة و(إسرائيل) والدول العربية إجراء دفاعيًا صارمًا، ستفسره إيران على أنه عمل عدواني يقيد حريتها في الحركة ويقلل من قوتها. المعضلة الأمنية ما زالت حاضرة وبقوة ومن الضروري لواضعي السياسات الاعتراف بها.