ما هي أهداف الغرب الاستراتيجية في الحرب الأوكرانية؟
كمال درويش/ معهد بروكينجز، سبتمبر 2022
ستكون حرب أوكرانيا ورد فعل العالم عليها عاملاً حاسمًا في تشكيل النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقد المقبل. ستشير أفعال حلفاء الغرب، روايتهم للأحداث وخططهم فيما يتعلق بكل من روسيا ودور دول الجنوب في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب إلى الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى. هل يريد الغرب ببساطة أن يرى روسيا مهزومة والناتو يتوسع ويقوى، أم أنه يمكن أن يتصور "انتصارًا" في أوكرانيا يضع الأسس لعالم تكون فيه الديمقراطية أكثر أمنًا والنظام العالمي أكثر شمولاً وفعالية؟
في الوقت الذي لا تزال نتيجة القتال غير مؤكدة، فإن الأهداف الاستراتيجية للغرب، خصوصًا كيف سيعامل روسيا في حالة انتصار أوكرانيا، سيكون لها عواقب وخيمة. السؤال الكبير هو ما إذا كان الحلفاء سيسعون إلى معاقبة روسيا ككل من خلال فرض تعويضات كبيرة أو بدلاً من ذلك استهداف نظام الرئيس فلاديمير بوتين الاستبدادي بطريقة تحد من الأعباء المفروضة على الشعب الروسي.
في بداية الحرب، أكد الحلفاء الغربيون أن الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة والديمقراطية كانت أهدافهم الأساسية. في أواخر الربيع، دعا بعض الاستراتيجيين والمسؤولين الأمريكيين إلى إضعاف روسيا بشكل دائم كهدف استراتيجي، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيظل هدفًا في حالة تغيير النظام في روسيا.
يجب في حال التوصل لأي تسوية شاملة للصراع الأوكراني أن تتضمن تحميل روسيا جزءًا من عبء إعادة الإعمار الناتج عن الحرب التي بدأتها، إلا أن شدة الشروط المفروضة على الشعب الروسي سيكون لها تداعيات سياسية. وكلما كانت الشروط أشد قسوة، زادت احتمالية اقتراب روسيا من الصين بشكل أكبر، بحيث تصبح الكتلة الصينية الروسية القوية جزءً من النظام الجيوسياسي بعد الحرب.
لا ينبغي الاستهانة بتأثير هذا التحالف. في الوقت الذي ستكون الصين مركز ثقل هذه الكتلة، لا ينبغي أن يؤدي الناتج المحلي الإجمالي لروسيا الصغير نسبيًا "وهو أقل من مثيله في إيطاليا"، إلى استبعاد القدرات العلمية للبلاد، وحجم ترسانتها النووية، وغناها بالموارد الطبيعية، والأهمية الاستراتيجية لمساحتها الشاسعة.
من خلال اتباع إجراءات تُعامل الشعب الروسي بشكل مختلف عن بوتين ونظامه الاستبدادي، قد يكون هناك أمل عند ديمقراطيات العالم في منع النتيجة بعيدة المدى وهي خسارة روسيا بشكل تام لنظام بوتين. إجراء منع جميع الروس من دخول الاتحاد الأوروبي، كما يقترح بعض صناع السياسة الآن، هو نوع من الإجراءات التي ستدفع البلاد نحو الصين. يأتي تقسيم العالم بشكل غير دقيق إلى ديمقراطيات وأنظمة استبدادية من نفس قواعد اللعبة الاستقطابية وغير الفعالة. عند التعامل مع ديكتاتوريات مثل نظام بوتين، فإن العنصر الأساسي في أي استراتيجية دبلوماسية ناجحة هو التمييز بين القادة السياسيين والمواطنين العاديين.
صحيح أن حق النقض الروسي في مجلس الأمن الدولي جعل من المستحيل على الأمم المتحدة أن تلعب دورًا تنسيقيًا في مواجهة العدوان الروسي في أوكرانيا. لكن الحلفاء الغربيين الذين تولوا هذه المهمة لم يبذلوا سوى القليل من الجهد للتشاور مع دول الجنوب في صنع القرار، أو لإشراكه في عملية التخطيط لما بعد الحرب.
ومن الصحيح أيضًا أن معظم دول الجنوب امتنع عن التصويت على قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة الرئيسيين اللذين يدينان روسيا في مارس الماضي. لكن كان على الغرب أن يدرك أن استجابة البلدان النامية للحرب تعكس ردود أفعال قديمة وعميقة الجذور، متمثلة بالذاكرة الجماعية المريرة للاستعمار الأوروبي، وبدعم الاتحاد السوفيتي للعديد من هذه البلدان أثناء النضال من أجل الاستقلال.
علاوة على ذلك، فإن مؤتمر "لوغانو" الذي نظمه الحلفاء الغربيون في أوائل يوليو لإطلاق منصة لإعادة إعمار أوكرانيا لم يشمل أي دولة من دول الجنوب. يمكن للمرء أن يجادل بأن هذا كان في الأساس اجتماعًا للمانحين، لكنه استبعد دول الخليج الغنية وشمل دولًا مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية، ومن غير المرجح أن يكون أي منهما قادرًا على المساهمة.
تتطلب إعادة بناء أوكرانيا مئات المليارات من الدولارات. ومن ثم، فإن هذا الجهد يهدد بتحويل مساعدات كبيرة مخصصة لدول الجنوب، التي لا تزال تحاول حث الدول الغنية على الوفاء بتعهدها الطويل الأمد بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لدعم التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه في البلدان الفقيرة. سيكون من المثير للاهتمام أيضًا معرفة إلى أي مدى ستسمح قواعد المشتريات الخاصة بمشاريع إعادة الإعمار في أوكرانيا للبلدان النامية غير المانحة بتقديم عطاءات فعالة.
قد لا يكون الوقت قد فات بالنسبة للغرب لإشراك دول الجنوب، ولا سيما بلدان مثل الهند وجنوب إفريقيا، اللتان تتمتعان بقدرات تقنية جيدة في قطاعات معينة، في إعادة إعمار أوكرانيا. يجب على الغرب أيضًا إشراك الدول النامية في وضع القواعد المتعلقة بالعقوبات المتبقية المحتملة ضد روسيا بعد المرحلة الأولى من التسوية، فضلاً عن الاجراءات التي تحكم الأصول الروسية المجمدة.
في حال انتصار أوكرانيا، فإن معاملة الغرب لروسيا والموقف تجاه دول الجنوب خلال إعادة إعمار أوكرانيا ستحدد ما إذا كانت نتيجة الحرب بمثابة نقطة انطلاق للتقدم العالمي نحو تعددية أكثر شمولاً وإنصافًا. أما السيناريو الأسوأ، فهو أن الغرب سيكون قد حقق نصرًا باهظ الثمن، وسينتهي به الأمر إلى تعزيز الاستبداد وتعميق الانقسامات العالمية.