التصدع في فتح، الذي يهدد الاستقرار الأمني، يشكل تحدياً، ليس لـ(إسرائيل) فقط
علي الأعور، يوهانان تسوريف
معهد الأمن القومي، أغسطس 2020
تعاني حركة فتح بقيادة أبو مازن من مشاكل صعبة وغير مسبوقة واتهامات بالفساد وعدم وجود دعم شعبي كافي وغياب السيطرة المركزية، والتي تهدد الاستقرار الأمني في الضفة الغربية وقد تقود لسيناريو تسيطر فيه حماس على السلطة الفلسطينية. على (إسرائيل) أن تعمل على موازنة الوضع غير المستقر في المناطق وتعزيز مكانة رئيس السلطة الفلسطينية
تثير الحوادث الأمنية المتكررة في الضفة الغربية تساؤلات حول سلوك حركة فتح التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. يُظهر تورط أعضاء فتح في الاشتباكات مع قوات الجيش الإسرائيلي والتعاون بينهم وبين التنظيمات الأخرى، خاصة في شمال الضفة الغربية، افتقار فتح للسيطرة المركزية، والانقسام إلى فصائل صغيرة، تتصرف بناءً على تعليمات محلية. هذا الوضع يُقوض الاستقرار في جميع أنحاء الضفة الغربية، ويزيد من إضعاف سيطرة أبو مازن، ويشكل تحديًا معقدًا لـ(إسرائيل). يرى الكثير من الفلسطينيين أن أبو مازن مسؤول عن الانقسام داخل التنظيم ويعتقدون أنه العقبة الأساسية أمام إحياء فتح. على (إسرائيل) التي تدرك جيدًا هشاشة الهدوء النسبي في الضفة ومحاولات حماس إشعال شوارع الضفة الغربية ضد فتح والسلطة الفلسطينية، أن تعمل الآن على تخفيف الصدمات المتوقعة بعد رحيل أبو مازن.
قد يثبت يومًا ما أن قرار أبو مازن إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية، التي كان مقررًا إجراؤها في مايو 2021، أنه كان نقطة تحول في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية. تم اتخاذ القرار على خلفية تنامي نفوذ حماس في الجامعات والنقابات والسلطات المحلية. لكن عمق القرار أزمة الثقة بين الجمهور والسلطة الفلسطينية، وزاد من تآكل شرعية السلطة وجعلها غير ذات صلة على نحو أكبر، وزادت الدعوات إلى الإصلاح في فتح، وهي أكبر المنظمات التي تتشكل منها منظمة التحرير الفلسطينية. أثارت قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وما تلاها من تعيينات من قبل أبو مازن غضب الرأي العام وفتح بشكل خاص. كان التعيين الأكثر إثارة للجدل هو تعيين حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية، أمينًا عامًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذه الخطوة اعتبرت علنًا ومن قبل اللجنة المركزية وهيئات مختلفة من فتح إشارة إلى أن أبو مازن اختار آل الشيخ خلفًا له.
كما تُظهر الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية أزمة القيادة في حركة فتح. لا يوجد سيطرة أو قيادة في مناطق مختلفة يتواجد فيها التنظيم، ولا تمتثل أفرع التنظيم في المناطق المختلفة لتعليمات القيادة المركزية. يجمع النشطاء الذين يريدون إظهار قوتهم ووجودهم المسلحين، ويتعاونون مع التنظيمات المنافسة، ويتخذون القرارات بشكل مستقل. يتضح هذا بوضوح من خلال التعاون بين نشطاء فتح المسلحين في منطقتي جنين ونابلس مع نشطاء الجهاد الإسلامي وحماس في الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي، والذي يدخل هذه المناطق بانتظام حتى بداية عملية الفجر الصادق (5-7 أغسطس، 2022). أطلق مسلحون، يعتقد كثير من الفلسطينيين أنهم محسوبون على حركة فتح، النار على الدكتور ناصر الدين الشاعر، المحاضر في جامعة النجاح في نابلس والمحسوب على حماس. هذه الحادثة هي واحدة من أمثلة عديدة لانتشار الأسلحة في الضفة الغربية وتقلص قدرة السلطة الفلسطينية على بث الخوف في نفوس شعبها والحفاظ على الاستقرار الأمني. الشاعر هو شخصية بارزة شغل منصب وزير ونائب رئيس الوزراء في حكومة هنية الأولى، التي تشكلت بعد انتخابات عام 2006. لو قُتل، لاندلعت الاشتباكات بين حماس وفتح، وامتدت بسرعة باتجاه (إسرائيل). ومع ذلك، مر شهر على إطلاق النار، ولم تُنشر حتى الآن نتائج التحقيق الذي أمر به أبو مازن بتقديم الجناة إلى العدالة.
علامة أخرى على التنافس والانقسام في فتح هي أن أعضائها ترشحوا على قوائم منفصلة في انتخابات الحكم المحلي، مما أتاح الفرصة للمرشحين المستقلين والمنتمين إلى حماس للفوز. حقق هؤلاء المرشحون انتصارات في مدن مهمة مثل طولكرم والبيرة والخليل. كما فقدت فتح السيطرة على عدد من المجالس البلدية في أنحاء الضفة الغربية.
يعكس فوز قائمة طلاب حماس في انتخابات مجلس الطابة في جامعة بير زيت وفوز القائمة الموالية لحماس في انتخابات نقابة أطباء فلسطين تنامي التأييد الشعبي لحركة حماس وتراجع التأييد لفتح. الإضرابات الغاضبة من قبل المحامين والنقابات الأخرى تعكس أيضًا استياءً كبيرًا، وهو نتيجة لسلوك السلطة الفلسطينية، التي تتخذ قرارات بشكل منفرد، والمحسوبية والفساد المتجذر بين كبار المسؤولين. ومن الأمثلة الصارخة بشكل خاص التعيينات المتبادلة من قبل الوزراء لأبناء بعضهم البعض في مناصب عليا في مؤسسات السلطة الفلسطينية. أدى الكشف العلني عن هذه التعيينات إلى إحباط وغضب واسع النطاق، إلى جانب المطالبة بالشفافية والمساءلة.
كما اشتدت الانتقادات للفساد داخل فتح. حيث اتهم رئيس المخابرات السابق والعضو الحالي في اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي، مستشار أبو مازن ورئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار بالفساد، وخلص إلى أن أبو مازن يستمع لنصيحة مستشاريه، الأمر الذي يؤدي، على حد قوله، لقرارات تشجع على الفساد. ردًا على ذلك، اتخذ أبو مازن قرارًا "دكتاتوريًا". وبدلاً من إجراء انتخابات داخل حركة فتح، أقال الطيراوي من منصبه كرئيس لمجلس أمناء جامعة الاستقلال.
يتركز الغضب في الخطاب الشعبي على اللامساواة في التعيينات الحكومية وفي إدارة مشاريع ذات رأس مال كبير، والتي أعيد توجيهها لصالح الدائرة الداخلية لحركة فتح على وجه التحديد. وبالتالي يخسر الشعب الفلسطيني فوائد الاستثمار في مثل هذه المشاريع.
على خلفية تراجع سيطرة فتح، ما مصير فتح بعد غياب أبو مازن عن المسرح السياسي؟ هل ستفقد فتح قاعدتها الشعبية ومكانتها كقائدة للحركة الوطنية؟ في ظل غياب البديل، ما الذي يجب على فتح فعله لتظل العمود الفقري للقيادة الوطنية؟ هل ستصبح هذه الساحة لحماس التي تحظى بتأييد شعبي واسع؟
هناك اختلافات ملحوظة بين قطاع غزة والضفة الغربية في هذا السياق. لقد أثبتت سياسة (إسرائيل) الحالية في غزة جدواها. أفاد السماح لخمسة عشر ألف عامل من غزة بالعمل في (إسرائيل) الاقتصاد المحلي. تجلب هذه الخطوة، تدفقات نقدية كبيرة إلى القطاع، وتخلق فرص عمل، وتوفر الأمل للشباب، وتخلق استقرارًا أمنيًا، وكانت على ما يبدو أحد العوامل التي منعت حماس من دخول المعركة خلال عملية الفجر الصادق بين (إسرائيل) والجهاد الإسلامي. لكن في الضفة الغربية، وعلى الرغم من جهود وزير الدفاع بيني غانتس للتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتقويتها من خلال إجراءات مساعِدة واقتصادية، إلا أنه لا توجد بوادر تحسن. ويرجع ذلك إلى رغبة السلطة الفلسطينية في ربط التنمية الاقتصادية بعملية سياسية موازية، فضلاً عن الانقسامات العديدة داخل حركة فتح، وعدم وجود قيادة وطنية قادرة على القضاء على الفساد، واهمال آلاف الشباب العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات.
فتح بحاجة ماسة إلى التجديد وتغيير الصورة وإحياء الشرعية. تتمثل إحدى الطرق الممكنة لتحقيق هذه الغايات في إجراء انتخابات داخلية والتي يجب أن تكون نظيفة، تجري دون تدخل الجيل الأكبر سنًا، ولا تستبعد أي مجموعة من المشاركة. هذه الانتخابات يجب أن تكون سرية، لا تضم عناصر أمنية، وتؤدي إلى تشكيل لجنة مركزية جديدة وأمناء عامين جدد لكل منطقة انتخابية ومدينة ومخيم، واختيار نائب للرئيس أبو مازن. مثل هذه الانتخابات قد تسمح بانعقاد المؤتمر الثامن لحركة فتح، والذي تم تأجيله عدة مرات خلال العام الماضي بسبب الخلافات حول جدول الأعمال وقائمة المشاركين. لكن من المشكوك فيه أن يكون لدى فتح القدرة على القيام بمثل هذه العملية حيث يرى كثير من المراقبين أن الشخصية المركزية التي تسبب في تفكك الحرجة هو أبو مازن، وطالما أنه يترأس المنظمة فلن يحدث مثل هذا التغيير.
قد تندلع، في اليوم التالي لرحيل أبو مازن، وبدون أي عملية لإعادة البناء، احتجاجات حاشدة ضد السلطة الفلسطينية، والتي قد تتحول كما في العديد من الحالات الماضية إلى اشتباكات واسعة النطاق مع القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. قد يتطلب ذلك من (إسرائيل) التدخل والسيطرة على المنطقة بأكملها. ستستغل حماس مثل هذا التطور، وتستفيد من شعبيتها في الضفة الغربية، وتشجع الاحتجاجات، وتقوم باستعراض القوة، وربما تجبر المجتمع الدولي على الدخول في حوار معها.
تدرك (إسرائيل)، صاحبة التأثير الأكبر على الأحداث في الساحة الفلسطينية، التداعيات الواسعة النطاق لهذا السيناريو على أمنها. يجب أن تستعد على الفور لتقليل التأثير السلبي لهذه النتيجة المحتملة. ستجد (إسرائيل) صعوبة في الاستجابة لمطلب فلسطيني واسع النطاق بإجراء انتخابات عامة أو إنشاء آلية مشتركة بين حركتي فتح وحماس لاختيار خليفة لأبو مازن. أبو مازن، الذي فاز في انتخابات 2005، كان في ذلك الوقت يعتبر المرشح المفضل لكل من (إسرائيل) وقيادة فتح العليا، وقبلهم غالبية الجمهور الفلسطيني. من سيخلفه سيحتاج إلى اجتياز هذا الاختبار نفسه ولن يعتبر شرعياً دون انتخابات أو توافق بين مختلف الفصائل على تعيينه. لا يحظى حسين الشيخ، الذي وضعه أبو مازن في أفضل نقطة انطلاق لخلافته، بإعجاب أعضاء فتح، سواء بسبب قلة كفاءته مقارنة بالمنافسين، أو بسبب الفساد. من المشكوك فيه أن يفوز بالانتخابات أو أن تعترف به جميع الفصائل كزعيم للفلسطينيين. لذلك يجب على فتح تثبيت صورتها العامة قبل رحيل أبو مازن، وإعادة تأهيل نفسها بحيث يمكن اعتبارها أكثر شرعية مما هي عليه اليوم.
يجب على (إسرائيل) بالتالي الانخراط بشكل عاجل في حوارات مع أبو مازن ودائرته الضيقة، وتوضيح مدى الخطورة التي تنظر بها (إسرائيل) والدول الإقليمية الأخرى إلى السيناريو الذي تصبح فيه حماس، التي لا تعترف باتفاقات (إسرائيل) مع منظمة التحرير الفلسطينية، القوة الرائدة في الضفة الغربية. عليها أن تحاول تجنيد جميع الشخصيات ذات الصلة في الساحتين الإقليمية والدولية لإيجاد طريقة للحفاظ على الاستقرار في الساحة الفلسطينية والحفاظ على مكانة التيار الوطني للحركة الفلسطينية، وضمان انتقال القيادة بسهولة في اليوم التالي لرحيل أبو مازن، بأقل عدد ممكن من الصدمات.