(إسرائيل) من عبء استراتيجي إلى رصيد استراتيجي
يورام إيتنجر
يقول البروفيسور والتر راسل ميد، وهو مؤرخ بارز في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، "لم تتعزز قوة (إسرائيل) لأنها كانت متحالفة مع أمريكا. بل نتيجة لقوتها أصبحت حليفاً لأمريكا".
عام 1948، أساءت وزارة الخارجية التقدير لـ(إسرائيل) عندما نظرت إليها كعبء على الولايات المتحدة، وبأنها أضعف من أن تتحمل هجومًا عسكريًا عربيًا شاملاً، ويمكن أن تكون سببًا لتهديد علاقات الولايات المتحدة مع العالم العربي وربما تكون موالية للسوفييت.
مع ذلك، برزت (إسرائيل) منذ عام 1967، باعتبارها الحليف الأكثر ديموقراطية وفاعلية وموثوقية للولايات المتحدة، وعامل هائل لتعزيز قوة الولايات المتحدة.
في هذا السياق نضرب عدداً من الأمثلة في عددٍ من المحطات التاريخية للدليل على ذلك:
أدى الانتصار العسكري الإسرائيلي في يونيو 1967 إلى تدمير الجيش المصري الموالي للاتحاد السوفيتي، بينما كانت مصر في طريقها لتصبح زعيمة القومية العربية، بهدف الإطاحة بالأنظمة الموالية للولايات المتحدة في الدول العربية المنتجة للنفط، في وقت كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على نفط الخليج الفارسي. الانتصار الإسرائيلي المدوي أنقذ الولايات المتحدة من انتكاسة اقتصادية وتهديد كبير للأمن قومي، وحرم الاتحاد السوفيتي من كنز جيوإستراتيجي.
بعد الحرب ذهب 25 خبيرًا عسكريًا أمريكيًا إلى (إسرائيل) لاستخلاص دروس حرب الأيام الستة عام 1967، وفحص الأنظمة العسكرية السوفيتية التي تم الاستيلاء عليها. وقد رفعت النتائج التي توصلوا إليها أداء القوات المسلحة والصناعات الدفاعية الأمريكية.
نتيجة للفوائد التي حققتها الولايات المتحدة سابقًا، وصل فريق من 50 خبيرًا إلى (إسرائيل) بعد حرب عام 1973، لجمع المعلومات، والتي أفادت الولايات المتحدة عسكريًا وصناعيًا، وعززت الدفاعات الأمريكية عن أوروبا في مواجهة التهديدات السوفيتية.
ألقت "عملية روستر 53" في ديسمبر 1969، الضوء على قدرات (إسرائيل) الاستخباراتية والتكتيكية والقتالية الفريدة، والتي تمت مشاركتها مع الولايات المتحدة. حيث استولت وحدة خاصة إسرائيلية من مصر على نظام رادار سوفيتي متقدم (P-12)، والذي كان موجودًا في جميع أنحاء العالم. درست (إسرائيل) الرادار السوفيتي ونقلته إلى الولايات المتحدة، وكذلك الأنظمة العسكرية السوفيتية الإضافية، مما عزز قدرات المخابرات الأمريكية وقوات العمليات الخاصة والصناعات الدفاعية الأمريكية.
وفقًا للسيناتور الراحل دانيال إينو، الذي كان رئيسًا للجنتي الاعتمادات والاستخبارات، بلغت قيمة الرادار السوفيتي بالنسبة للصناعات الدفاعية والقوات المسلحة الأمريكية حوالي 3 مليار دولار. وأضاف أن حجم تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، من جانب (إسرائيل)، تجاوز المعلومات الاستخباراتية المتبادلة مع الولايات المتحدة من قبل جميع دول الناتو مجتمعة.
حصلت (إسرائيل) عامي 1966 و1989، على طائرات مقاتلة سوفيتية من طراز (MIG-21) و (MIG-23) عبر انشقاق طيارين عراقيين وسوريين. تمت مشاركة الطائرات مع الولايات المتحدة، مما أثر على توازن القوة العالمي، وعزز أداء القوات الجوية الأمريكية وصناعات الطيران.
أظهرت (إسرائيل) عام 1970، اصطفافها بجانب الولايات المتحدة من خلال إجبار سوريا الحليفة للاتحاد السوفييتي على الانسحاب أو التراجع عن الهجوم على الأردن الموالي للولايات المتحدة وذلك من خلال وجودها العسكري في مرتفعات الجولان. لقد أنقذت (إسرائيل) الولايات المتحدة من خسارة حليف عربي، أو من الحاجة للتورط عسكريًا في حرب عربية داخلية، بينما كانت غارقة في جنوب شرق آسيا "حرب فيتنام". علاوة على ذلك، فإن إسقاط النظام الأردني الموالي للولايات المتحدة كان سيهدد وجود الأنظمة المنتجة للنفط الموالية للولايات المتحدة في الخليج الفارسي المجاور، في وقت كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على نفط الخليج الفارسي. وبذلك، أنقذت (إسرائيل) الولايات المتحدة من ضربة اقتصادية وأمنية كبيرة، وحرمت الاتحاد السوفيتي من المكاسب الجيواستراتيجية.
تمت مشاركة الدروس المستفادة من عملية إنقاذ الرهائن في عنتيبي في 4 يوليو 1976، مع المخابرات الأمريكية وقوات العمليات الخاصة. والتي عززت صورة (إسرائيل) كنموذج يُحتذى به في المكافحة الفعالة الجريئة والمبتكرة للإرهاب.
أنقذ تدمير (إسرائيل) للمفاعل النووي في العراق عام 1981، وفي تحد للمعارضة الأمريكية الشرسة، الولايات المتحدة من دمار محتمل لمواجهة النووية كان يمكن أن تحدث خلال حرب الخليج عام 1991. وأنقذت الأنظمة العربية المنتجة للنفط والموالية للولايات المتحدة من خطر صدام حسين.
دمرت القوات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر عام 1982، وخلال عملية سمتها "مول كريكيت 19"، 29 بطارية صواريخ أرض-جو سوفيتية تستخدمها سوريا، والتي يُعتقد أنها متقدمة. كانت هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها سلاح جوي غربي بتدمير شبكة صواريخ أرض-جو سوفيتية الصنع. في هذه العملية، وهي أكبر معركة جوية منذ الحرب الكورية، أسقط سلاح الجو الإسرائيلي 82 طائرة مقاتلة سوفيتية من طراز ميغ دون خسارة طائرة واحدة لسلاح الجو الإسرائيلي. تمت مشاركة تكتيكات المعركة الإسرائيلية التي غيرت قواعد اللعبة، بما في ذلك تقنيات التشويش، مع القوات المسلحة الأمريكية، مما عزز التفوق العسكري الأمريكي على الاتحاد السوفيتي.
أدى تدمير (إسرائيل) للمفاعل النووي المشترك بين سوريا وكوريا الشمالية وإيران عام 2007 إلى تجنيب المنطقة والعالم حرب أهلية نووية محتملة في سوريا.
تبرز (إسرائيل) عام 2022، وفي ظل وجود أنظمة عربية شديدة الضعف موالية للولايات المتحدة، وفي ظل حالة عدم الوضوح المتزايد في أوروبا، والتهديد المتزايد للإرهاب السني والشيعي المعادي للولايات المتحدة، باعتبارها "أكبر حاملة طائرات أمريكية". والتي لا تتطلب وجود جندي أمريكي واحد على متنها، مما يجنب الولايات المتحدة الحاجة إلى نشر حاملات طائرات إضافية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي وقوات برية على الارض.
تلعب حالة الردع التي تشكلها (إسرائيل) عام 2022، دورًا رئيسيًا في منع انهيار الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة وهيمنة آيات الله الشيعة المناهضين للولايات المتحدة، ووفي محاربة "الإرهاب الإسلامي" السني المناهض للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو أمر بالغ الأهمية للتجارة العالمية، وفي الحرب على الإرهاب ضد الولايات المتحدة وتوازن القوى بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين.
في الختام نسوق هنا بتصرف تعليق البروفيسور والتر راسل ميد: "حالة الردع الإسرائيلية لا تزداد قوة بسبب اتفاقيات السلام الأخيرة مع الدول العربية. لكن الدول العربية أبرمت اتفاقيات سلام مع (إسرائيل) بسبب تنامي حالة الردع الإسرائيلي.