خمس سنوات جيدة من الحملة بين الحروب في سوريا
معهد الأمن القومي، يوليو 2022
قصفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وفقا لمصادر أجنبية، أهدافًا في سوريا على مدار أكثر من خمس سنوات، من أجل الحد من تعزيز إيران لوجودها في مسرح العمليات. على الرغم من الإنجازات المثيرة للإعجاب، فإن هذه الهجمات ليست كافية للحد من التهديد القادم من الحدود الشمالية بدرجة كبيرة. ستحسن (إسرائيل) صنعًا إذا صاغت استراتيجية جديدة تجاه سوريا، مصممة خصيصًا للواقع المتغير هناك، وكلما كان ذلك مبكرًا، كان أفضل.
تُنسب الهجمات الجوية الأخيرة في سوريا إلى (إسرائيل)، الهيبة الإقليمية لنظام الأسد آخذة في الازدياد، العلاقات الإسرائيلية الروسية تزداد توترًا. تدعو هذه المعطيات في المشهد العام إلى إجراء نقاش حول مدى جدوى الاستمرار بسياسة "الحملة بين الحروب" الإسرائيلية في سوريا. يخلص المقال إلى أنه يتعين على (إسرائيل) تطوير خطة متعددة الأبعاد ضد التهديد على الجبهة الشمالية، تكون فيها الغارات الجوية أحد عناصر الحملة الشاملة.
تُمثل الهجمات الجوية الأخيرة في سوريا، المنسوبة لـ(إسرائيل)، عنصرًا رئيسيًا في الاستراتيجية الإسرائيلية على الجبهة الشمالية. صُممت هذه الهجمات لخدمة ثلاثة أغراض رئيسية: منع التحشيد العسكري لحزب الله ووكلاء إيران الآخرين من خلال إعاقة نقل الأسلحة الاستراتيجية إلى الحزب. تدمير البنية التحتية للوكلاء الشيعة في جنوب سوريا، الذين ينتشرون بهدف فتح جبهة ضد (إسرائيل)؛ والقيام بمساعي طويلة الأمد لدق إسفين بين دمشق وطهران، وهو "هدف حددته المؤسسة الأمنية الإسرائيلية". يُتوقع أيضًا أن (إسرائيل) وعلى مدى سنوات الحرب، اتخذت إجراءات تتجاوز "الحملة بين الحروب" من خلال عدد من القنوات السرية، بما في ذلك العمليات الخاصة والعمليات المتعلقة بمعركة الوعي. لكن يبدو في السنوات الأخيرة، أن "الحملة بين الحروب" أصبحت الأداة الرئيسية. وعلى ما يبدو، فإن الهجومان الأخيران على سوريا، في 10 يونيو، على مطار دمشق الدولي، وفي 2 يوليو، ضد أهداف قريبة من مدينة طرطوس، هما استمرار لنهج "الحملة بين الحروب". ومع ذلك، فإن الانتقادات التي أثارتها الهجمات وتداعياتها المحتملة تتطلب إعادة النظر في صحة وفائدة هذا النهج.
حققت الحملة بين الحروب نجاحًا كبيرًا خلال السنوات الماضية. لم تتحقق رؤية ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا، كما تصورها قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي قُتل مطلع عام 2020، بالدرجة المطلوبة. منذ ذلك الحين، تراجع تعزيز الوجود الإيراني بشكل واضح من حيث السرعة والنطاق. لا يزال فيلق القدس بدون خطة منظمة في سوريا، وقد ساهمت الحملة بين الحروب في ذلك، ويُعتقد أن عدد الهجمات التي نُفذت في هذا الإطار بالمئات. تسببت (إسرائيل) على مدى السنوات الخمس الماضية، بإحداث أضرار جسيمة لمحاولات نقل الأسلحة، بما في ذلك مكونات الأسلحة الدقيقة المرسلة من طهران إلى سوريا، وأحيانًا إلى حزب الله في لبنان أيضًا.
تلعب الحملة بين الحروب أيضًا دورًا مهمًا يتجاوز المسرح السوري. حيث أدت سنوات من الهجمات الدقيقة ضد أهداف إيرانية لجعل الجيش الإسرائيلي هو المفتاح، إن لم يكن اللاعب الوحيد الذي يتخذ إجراءات ضد التخريب الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط. عززت هذه الحقيقة مكانة (إسرائيل) الإقليمية، وجعلتها شريكًا محتملاً لدول الخليج والدول السنية الأخرى في الصراع ضد العدو المشترك "إيران".
على الرغم من نجاح الحملة بين الحروب، إلا أن الظروف الحالية تتطلب الاعتراف بمحدوديتها. في الوقت الذي يعاني فيه الوجود الإيراني في جنوب سوريا من التراجع بشكل واضح نتيجة الحملة بين الحروب وانحسار الحرب الأهلية السورية، فإن هذا لا يعني أن حزب الله والدور البارز الذي يلعبه في المنطقة قد تراجع. اعتبارًا من الآن، ينصب التركيز الأساسي في نموذج تعزيز الوجود الإيراني في الحفاظ على قوة ومكانة حزب الله في جنوب سوريا وداخلها. تعتمد إيران في الجنوب، على مقربة من الحدود مع (إسرائيل)، بشكل أساسي على حزب الله، ووحدات الجيش السوري الخاضعة لنفوذها، من بينها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وميليشيات الدفاع المحلية التي تجهزها وتدربها. هناك مجموعتان مهمتان من حزب الله هما القيادة الجنوبية، التي تدمج ضباط حزب الله كمستشارين ومشرفين في صفوف الجيش السوري، ووحدة ملف الجولان وهي تحت القيادة المباشرة لحزب الله، والتي تُشكل خلايا إرهابية تتألف في الأساس من سوريين محليين. اضطر حزب الله لدفع الثمن الذي فرضته الحملة بين الحروب، ولتقليص نشاطه نتيجة لضغوط النظام السوري أحيانًا، لكن قوته لا تزال كبيرة، ومن الواضح أن إيران لا تنوي التنازل عن الدور الذي تلعبه في سوريا.
يمكن القول أن الحملة بين الحروب لم تكن ناجحة في دق إسفين بين إيران وسوريا. يبدو أن هناك تغييرات مدروسة وتكتيكية، وليست تغييرًا استراتيجيًا في العلاقات بين طهران ودمشق. يفرض بشار الأسد، الذي يسعى إلى بسط سيادة نظامه على الأراضي السورية، أحيانًا قيودًا على الإيرانيين، من بينها تقليص حرية الحركة على المعابر الحدودية، وتقييد تهريب البضائع إلى سوريا والتي تضر بالاقتصاد السوري، ومنع مهاجمة (إسرائيل) من الأراضي السورية. كما جاء أن الأسد منع إيران في السابق من نقل الأسلحة عبر مطار دمشق، لكن الهجوم الاسرائيلي على المطار في يونيو، يشير إلى أن الإيرانيين لا يمتثلون بدقة لأوامر الرئيس السوري. في نفس الوقت، من المشكوك فيه فيما إذا كان الأسد يريد حقاً الحد من النشاط الإيراني، لأنه مدين ببقائه لإيران. إذا دفعت الحملة بين الحروب الأسد إلى محاولة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أو على الأقل فرض قيود عليه، فإن سنوات من العمل لتعزيز الوجود الإيراني العميق في مؤسسات ووكالات الدولة، والبنية التحتية المدنية، والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، ستجعل من الصعب جدًا عليه تحقيق هذا الهدف.
يمكن القول إن الهجمات الإسرائيلية فشلت أيضًا في توفير حل لتعزيز الوجود المدني الإيراني على المدى الطويل في سوريا. إلى جانب تعزيز النفوذ ونشر الإسلام الشيعي، كان الهدف من هذا تعزيز هذا الوجود المدني دعم طموحات إيران العسكرية في سوريا على وجه الخصوص، وفي المنطقة بأسرها بشكل عام. إضافة لذلك، فإن الهجمات الجوية في سوريا هي قطرة في بحر. إلى حد ما، عطل الجيش الإسرائيلي شحنات الأسلحة وتعزيز التواجد الإيراني، لكنه لم يوقفها بالكامل. فهناك عدد غير قليل من شحنات الأسلحة لم يتم اكتشافها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
إلى جانب القيود في الإنجاز العملياتي، أثارت الحملة بين الحروب بشكل عام، والهجمات على مطار دمشق وطرطوس بشكل خاص، أسئلة إضافية حول درجة الشرعية التي تتمتع بها (إسرائيل) حتى الآن في هذا السياق. في إطار سياستها المعتادة تجاه الموضوع، أدانت روسيا بشدة الهجمات الأخيرة، وصرحت وزارة الخارجية الروسية أنه يجب على (إسرائيل) وقف ما تصفه "الممارسة الشريرة" المتمثلة في مهاجمة البنية التحتية المدنية. وكما حصل في أحداث سابقة، تم استدعاء السفير الإسرائيلي في روسيا للتوضيح، لكن للمرة الأولى قدمت روسيا قرارًا لمجلس الأمن الدولي تضمن إدانة الهجمات والتحذير من زعزعة استقرار سوريا وانتهاك سيادتها. تشير هذه الإجراءات إلى أن الهجمات الإسرائيلية قد تؤدي إلى ردود فعل أكثر حدة من موسكو، والتي ترغب على أي حال في إظهار قوتها في الشرق الأوسط من أجل تعويض ضعفها في أوروبا. دليل آخر على ذلك هو الرسالة التي تم إرسالها في مايو الماضي باستخدام صواريخ "أس300" الروسية ضد طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. على الرغم من أن الهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا تخدم إلى حد ما المصالح الروسية، حيث تتنافس موسكو وإيران على النفوذ في المنطقة، إلا أنه من المؤكد أن الضغط الروسي سيكون أشد عندما تلحق هذه الهجمات أضرارًا بأهداف النظام السوري.
بالإضافة إلى ذلك، عزز الأسد في الأشهر الأخيرة مكانته الإقليمية كزعيم لسوريا، كما قامت الأردن ومصر والإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتها معه واحتضنته كجزء من العالم العربي. هذا التوجه، بالتوازي مع عملية التطبيع التي تجريها هذه الدول مع (إسرائيل)، من شأنه أن يضغط على القدس لتقليص هجماتها، لا سيما ضد البنية التحتية المدنية للنظام، والتي تقوض سيادة سوريا واستقرارها.
السؤال الذي لا يقل أهمية هو إلى أي مدى يمكن لـ(إسرائيل) أن تختبر الصبر الإيراني من خلال الاستمرار في العمليات ضدها في سوريا، وأيضًا في ساحات بعيدة، وفقًا لتقارير أجنبية. لا يزال الأسد ضعيفا، وبالتالي لا يُتوقع أن يرد في الوقت الحاضر. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال رد إيراني أقوى مما فعلت حتى الآن، من أجل "إعادة توازن الردع" وطبقاً لما صرحت هي به. سيشكل مثل هذا القرار تحولاً بالفعل عن سياسة ضبط النفس التي تتبعها إيران، والتي تدرك تفوق (إسرائيل) في الصراع معها، وستتجاهل أيضًا مطالبة الأسد بأن تمتنع إيران عن مهاجمة (إسرائيل) من أراضيها. لكن في ضوء الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة، فإن إيران مع ذلك يمكن أن تجازف وترد.
لذلك، حان الوقت لإعادة النظر في الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا وتحسينها من خلال وضع خطة متعددة الأبعاد ضد التهديدات التي تتعرض لها (إسرائيل) على هذه الجبهة، مع معالجة القضايا التالية: التوازن الصحيح بين الهجمات على الأهداف السورية والهجمات على الأهداف الإيرانية. الحفاظ على التنسيق الاستراتيجي مع روسيا، أخذاً بالاعتبار تداعيات الحرب في أوكرانيا؛ الهدف النهائي للحملة، وما إذا كان هناك مقياس لتقييم الإنجاز؛ والثمن الذي ستكون (إسرائيل) على استعداد لدفعه مقابل استمرار الحملة بين الحروب، وما الذي يمكن أن يشكل أسبابًا للتصعيد.
على (إسرائيل)، بالإضافة إلى الغارات الجوية وتكيفها مع الظروف الحالية، أن تطور حملة تدمج جميع كيانات المؤسسة الأمنية والسياسية وقدراتها المختلفة. يمكن أن يتضمن هذا الإطار حملة للتوعية واسعة النطاق تسلط الضوء على التهديد الإيراني التخريبي في المجتمع الدولي واتخاذ إجراءات للحد منه. من المفيد أيضًا تحسين القدرات العملياتية في سوريا، مع استخدام الأدوات السرية للمؤسسة الأمنية من أجل تبسيط اختيار (إسرائيل) للأهداف الاستراتيجية والعملياتية في مسرح العمليات التي توفر لها الحملة بين الحروب حلًا جزئيًا مثل، دق إسفين بين سوريا وإيران، تعزيز الوجود المدني الإيراني. هناك وسيلة أخرى محتملة لتعزيز النفوذ، وهي إقامة علاقات مع المجتمع المحلي في المناطق المناهضة لنظام الأسد وللنفوذ الإيراني. وهذا ينطبق بشكل أساسي على الجماعات السنية والدرزية المتحمسة للحوار مع (إسرائيل) ولدعمها. يمكن التعبير عن تعزيز العلاقات معهم من خلال المساعدات الإنسانية وأمور أخرى، ومن المرجح أن يقلل هذا من اعتماد السكان المحليين على حزب الله وإيران، اللذين يستفيدان بشكل كامل من المحنة المدنيين. على المستوى الإقليمي، على (إسرائيل) تكثيف تعاونها مع أصدقائها الجدد في الخليج من أجل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا والساحات الأخرى في المنطقة.
بشكل عام، في مثل هذا الساحة من الصراع المتشابك والمعقد مثل سوريا، حيث تقود إيران الجهود العسكرية والاقتصادية والمدنية لصنع ميزة لنفسها، يجب على (إسرائيل) أيضًا استخدام أدوات متنوعة، عسكرية ومدنية.
المدافعون في (إسرائيل) عن مراجعة الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا ليسوا جددًا أو خارجيين عن المؤسسة الأمنية. ومع ذلك، يبدو أن النموذج الحالي السائد في المؤسسة الأمنية هو أن سوريا ساحة أمرها محلول، وأن المعركة بين الحروب توفر حلاً مناسبًا للتحديات التي تطرحها. لا يشكل هذا تصورًا هشًا ومؤقتًا فقط، ولكنه قد يؤدي إلى ركود في الفهم وتقليل في استثمار الموارد في حلول طويلة الأجل. الوضع الحالي يزيد من الحاجة إلى التفكير الإبداعي، وكلما بدأ هذا مبكرًا، كان ذلك أفضل.