بايدن يسمع من العرب والإسرائيليين عن شرق أوسط جديد ومختلف
معهد واشنطن، يوليو 2022/ ديفيد ماكوفسكي
لا يوجد شك في أن العرب و(إسرائيل) يتطلعون لأشياء مختلفة للغاية من رحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط. تطلعات (إسرائيل) لزيارة بايدن واضحة. هي تريد أن يبرز بايدن التزامه التاريخي تجاه (إسرائيل) بشكل معلن وواضح، ليكون بمثابة تذكير لدول المنطقة وللمتشككين في الولايات المتحدة بعدم التشكيك في حيوية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
بالطبع، تود (إسرائيل) أن ترى الولايات المتحدة تعيد تقييم آفاق المفاوضات النووية الإيرانية وسط الجمود في تلك المحادثات، ولكن من الصعب تصديق نجاح تلك الجهود بعد الضغط تجاه هذا الموضوع مرارًا وتكرارًا خلال العام ونصف العام الماضيين. لذلك الأكثر إلحاحًا لـ(إسرائيل)، تطلعها لأن يتخذ بايدن الخطوات الأولى على طريق التطبيع مع الرياض.
يشير كبار المسؤولين العرب إلى أنهم يريدون شيئًا أساسيًا للغاية. يريدون أن يتأكدوا أن الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط وأن المنطقة ستظل حيوية للأمن القومي الأمريكي. هم يسمعون كل يوم تصريحات ٍمن سياسيين أمريكيين يتحدثون عن "استقلال الطاقة"، ويفسرون ذلك على أن الشرق الأوسط لم يعد قضية مهمة بالنسبة لواشنطن. تركز الولايات المتحدة بشكل أكبر على عناصر ثلاثة، الصين وكوفيد والمناخ، بالإضافة إلى موضوع أوكرانيا الآن.
يؤكد مسؤولو البنتاغون خلال تواصلهم مع المسؤولين العرب أن مستويات وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط كانت ثابتة لسنوات عديدة وأن الولايات المتحدة لم تنقص ومازالت تعطي الأولوية للمنطقة. لكن المسؤولين العرب لا يصدقونهم. هل تصدق الدول العربية ذلك عندما يعلن الرئيس الأمريكي علناً التزام أمريكا تجاه الشرق الأوسط خلال رحلته كما هو متوقع؟ لا يمكن تأكيد رد الفعل العربي المناسب.
ترى (إسرائيل) أن حديث بايدن العلني عن "دمج (إسرائيل) الإقليمي" يمكن أن يكون سبباً من شأنه أن يبقي الولايات المتحدة مهتمة بالمنطقة، مما قد يؤدي إلى تراجع الاعتقاد العربي بأن الولايات المتحدة تفقد اهتمامها بالشرق الأوسط. يأتي هذا بالتوازي مع رغبة (إسرائيل) العميقة في الاقتراب من المملكة العربية السعودية، وبالتالي تغيير معادلة الشرق الأوسط ضد إيران ووكلاؤها وهي القوة المزعزعة لاستقرار المنطقة.
بالنسبة لـ(إسرائيل)، تعزز مصالحها الإقليمية والثنائية بشكل متبادل إقامة تحالف أمر واقع واسع -إن لم يكن حتى رسمياً -ضد إيران في المنطقة. عندما يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم يريدون من الولايات المتحدة أن تقود عملية تشكيل هيكل إقليمي جديد، فإن على رأس هذه القائمة -بالطبع، ليس فقط -التعاون الأمني.
يعطي إدراج (إسرائيل) في القيادة المركزية الأمريكية إلى جانب العرب والباكستانيين فرصة للحديث عن شيء ربما كان يُنظر إليه على أنه خيال في الماضي: حيث بدأ الإسرائيليون والعرب في تبادل المعلومات الاستخباراتية المشتركة والقدرات الإلكترونية ورصد الرادارات للهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي تطلقها إيران ووكلائها.
مثل هذا التعاون الذي تقوده القيادة المركزية الأمريكية مهم ويجب أن يبعث رسالة موجهة بشكل مناسب تعبر عن الحزم الإقليمي تجاه طهران. من الواضح، أن جميع حلفاء الولايات المتحدة تقريبًا في المنطقة يرغبون في أن تكون الولايات المتحدة قوية ولديها الرغبة بتدفيع إيران ثمناً لجهودها المزعزعة للاستقرار.
ومع ذلك، هناك حديث فضفاض في (إسرائيل) يدعو لإنشاء حلف شمال أطلسي في الشرق الأوسط. يعتقد البعض في الكنيست أنه يجب إعلان ذلك حالاً لوقف إيران. هذه الدعوات منفصلة عن الحسابات الإقليمية الحساسة وما يمكن تحقيقه الآن بفضل القيادة المركزية الأمريكية. علاوة على ذلك، يشكك المسؤولون الأمريكيون سرًا في أن بايدن، في هذه الرحلة، سوف يروج صراحة وعلانية لنظام دفاع جوي مشترك ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار كما أعلن المسؤولون الإسرائيليون.
نعم، تخلق (إسرائيل) في القيادة المركزية الأمريكية حقائق جديدة للعرب والإسرائيليين الذين يتشاركون المعلومات الحيوية التي تشمل الدفاع الجوي. ومع ذلك، يقول المسؤولون الأمريكيون إن بعض الدول العربية تشعر بالقلق إزاء أي شيء يمكن أن تراه إيران على أنه انخراط في تحالف مخصص لمواجهتها. تشعر هذه الدول بالضعف بشكل خاص نظرًا لقربها الشديد من إيران.
خلال زيارة إلى أبو ظبي، أخبرني المسؤولون الإماراتيون أنه من الأسهل على (إسرائيل) التحدث عن هذه الأمور بالنظر إلى قوتها العسكرية وبعدها الجغرافي. لكن أي مواجهة إيرانية إسرائيلية يمكن أن تجعلهم أكثر عرضة للخطر إذا تم اعتبارهم متحالفين بشكل وثيق مع (إسرائيل)، بالنظر إلى أنهم جغرافيًا على أعتاب إيران.
الإمارات العربية المتحدة لا تريد أن يُنظر إليها على أنها رأس الحربة الإسرائيلي. وليس من قبيل المصادفة أن يقوم وزير الدفاع بيني غانتس بزيارات عامة إلى دول اتفاقية أبراهام مثل المغرب والبحرين، لكنه لم يزر الإمارات، على الأقل بشكل علني.
من الصواب الافتراض أن العرب والإسرائيليين يستفيدون من الترتيب الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، ولكن هناك حدود لأي صيغة تحالفات متعددة الأطراف. من الأسهل على بعض دول الخليج التعاون الثنائي مع (إسرائيل) بدلاً من الانضمام إلى هيكل رسمي متعدد الأطراف، بالنظر إلى عمق انعدام الثقة بين دول الخليج العربية نفسها.
أي شيء يتم مشاركته بشكل علني سيصبح معروفًا لخصومهم ويحتمل أن يستخدموه ضدهم. على سبيل المثال، يشعر البعض بالقلق من استمرار تشكك الإمارات العربية المتحدة في منافستها قطر، معتقدة أن الدوحة يمكن أن تشارك المعلومات مع الدول المزعزعة للاستقرار، وحتى مع إيران. يقول مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن التعاون الثنائي سيكون هو السائد، وبعض ما يوصف بأنه تناغم متعدد الأطراف لن يتقدم بشكل كبير.
العلاقات الأمنية الثنائية لها فوائد. عندما تعرضت أبو ظبي لهجوم بصواريخ الحوثيين، قدمت (إسرائيل) وبهدوء مساعدة عسكرية. ما يهم هو النتائج وليس الشكل.
لذلك عندما يتحدث كل من العرب والإسرائيليين عن الحاجة إلى هندسة إقليمية، فمن المحتمل أن كل طرف يتحدث ويقصد أشياء مختلفة. تركيز (إسرائيل) على إيران يعني المزيد من التركيز على التعاون الأمني الثنائي، بينما يمكن أن تركز الدول العربية على المزيد من الآليات الاقتصادية، مثل التجارة الحرة، التي يمكن أن تجلب المستثمرين الأمريكيين وغيرهم.
في الواقع، قمة النقب التي استضافها رئيس الوزراء الجديد يائير لابيد في الربيع، والتي حضرها وزراء الخارجية العرب، تناسب هذا الطرح بشكل جيد للغاية لأنها ركزت إلى حد كبير على القضايا المدنية مثل الصحة والطاقة والتعليم والمياه والأمن الغذائي. هذا الموضوع الأخير هو موضوع لا بد أن يكون محور تركيز رحلة بايدن في ضوء نقص القمح في العالم العربي بسبب الحرب في أوكرانيا. يخلق المطبعون الجدد مساحة سياسية للمطبيعين القدامى، حيث دعمت أبو ظبي خطط الأردن لإنشاء منشأة ضخمة للطاقة الشمسية ستوفر الكهرباء لجيرانها بينما ستوفر (إسرائيل) المياه المحلاة.
كل هذا تذكير بأن هناك مواضيع متعددة وليس فقط موضوع إيران، تقرب الحكومات العربية من (إسرائيل). ولان دول الخليج أيضًا ترى أن النفط قد أصبح أقل أهمية، ويعتقدون أن (إسرائيل) يمكن أن تساعدهم في التطوير الرقمي للاقتصاد وتنويعه في عصر ما بعد النفط.
كان نجاح الولايات المتحدة في التعامل مع أعداء كبار، كما فعلت خلال الحرب الباردة، هو إدراكها أن العلاقات الأمنية مع أوروبا لا تكفي بمفردها بل تحتاج إلى استكمالها بالعديد من المؤسسات التجارية والاقتصادية. ينبغي أن يكون هذا درسا لـ(إسرائيل). بغض النظر عن التحفظ الذي تشعر به الحكومات العربية حيال إعلان ارتباطها بعلاقات أمنية على مستوى المنطقة مع (إسرائيل)، إلا أنها أكثر انفتاحًا على الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها من توثيق العلاقات مع القدس. هذه فرصة عظيمة.
هذا يشكل إشارة لهذه المرحلة التي تعني أن الكثير من العمل لهذه العلاقات ينبع من الشرق الأوسط نفسه؛ وليس كما كان في السابق كل شيء يطبخ في أمريكا. يمكن للولايات المتحدة أن تشجع، لكنها تعلم أنه ليس عليها أن تملي. هذا النوع من تقاسم الأعباء داخل الشرق الأوسط هو شيء يعطي الأمل بالديمومة مع مرور الوقت لأنه متجذر في المصلحة الخاصة العربية والإسرائيلية.
هذه الحقيقة هي أفضل أمل في أن رحلة بايدن ليست تجربة لمرة واحدة، وقد تدفعه إلى الاعتقاد بأن شيئًا ما يًنجز بالفعل في الشرق الأوسط. قد يكون هذا مفيدًا لإدارة بايدن التي تقوم بوزن نطاق التزامها المستقبلي تجاه الشرق الأوسط