هل الوقت في صالح أوكرانيا؟
معهد بروكينج/ مارفين كالب، هنري جيه آرون
نجحت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في تعاطيها مع الغزو الروسي لأوكرانيا والقتال الوحشي لأكثر من مائة يوم. لكن ظهرت في الآونة الأخيرة تصدعات على الجبهتين الدبلوماسية والمحلية، إلى جانب أحاديث عن تسوية تفاوضية للحرب بشروط يرفضها معظم الأوكرانيين حالياً. هناك مخاوف مشروعة وواقعية كامنة بين السطور لكنها نادرًا ما نوقشت في هذه المرحلة الجديدة: ماذا سيحدث إذا اختلفت أوكرانيا والولايات المتحدة حول ما الذي يشكل نتيجة مقبولة للحرب؟ قد لا يكون الآن الوقت المناسب للحديث عن التنازلات التي قد تختار أوكرانيا تقديمها ذات يوم. لكن هل من السابق لأوانه التفكير فيما يجب أن تفعله الولايات المتحدة إذا طالبت أوكرانيا، كما يبدو الآن، بالانسحاب الروسي الكامل، فيما الولايات المتحدة مستعدة لقبول انسحاب جزئي؟
في غضون ذلك، تستمر الحرب بدون نهاية تلوح في الأفق. مع ذلك، فقد بدأت الأمور تتحرك بين الدبلوماسيين، بعد تحذير من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر من أن الحرب يمكن أن تتسع إذا لم تبدأ المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا "في الشهرين المقبلين"، وتكون مبنية في الوضع المثالي، على العودة إلى "الوضع السابق" الغير واضح. أثار تحذير كيسنجر رفضاً غاضبًا من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي قال إن كيسنجر لديه عام 1938 في تقويمه الشخصي "يقصد كبر سنه". وأضاف برلماني أوكراني أنه من "المخجل حقًا" أن يوصي كيسنجر "بالتخلي عن جزء من السيادة على الأرض" باعتباره "طريقاً للسلام".
يبدو أن الموقف الأوكراني من المفاوضات قد تشدد في مواجهة الاعتداءات البربرية الروسية والمطالب المتطرفة. الآن، يطرح العديد من المسؤولين، بأنه سيتعين على روسيا الانسحاب إلى حدودها ما قبل فبراير 2014، أي قبل ضم شبه جزيرة القرم، وليس حدود الأمر الواقع في فبراير 2022 التي شنت منها روسيا هجومها الحالي. السؤال هو هل هذا مطلب أوكرانيا النهائي؟ أم هو مجرد موقف تفاوضي؟ في كلتا الحالتين، أدى ذلك إلى تصاعد القلق الغربي. حيث حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كييف من أنه "يجب ألا نهين روسيا". بينما أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن وغيره من قادة الناتو مرارًا وتكرارًا أنهم لن يفرضوا شروطًا تفاوضية على أوكرانيا، لا يزال بايدن يشعر بالحاجة إلى الإصرار على "إنهاء تفاوضي للصراع"، ملمحًا بوضوح إلى تفضيل الولايات المتحدة لحل وسط للحرب. بالإضافة إلى ذلك، وضعت إيطاليا خطة سلام من أربع نقاط مع رسالة أساسية مفادها أن الحرب لا تنتهي بالنصر على روسيا فلاديمير بوتين ولكن بحل تفاوضي مقبول لكلا الجانبين.
التصدعات على الجبهة الداخلية الأمريكية أكثر دقة ولكن هناك وضوح في تأثيرها المحتمل. تواصل قيادة الحزب الجمهوري في الكونجرس دعم المساعدات العسكرية الأمريكية واسعة النطاق لأوكرانيا، ولكن يظهر تكتل حزبي متزايد في المؤسسة البرلمانية يعارض المستويات الحالية من المساعدات. إذا فاز الجمهوريون، كما تشير استطلاعات الرأي الحالية، ونجحوا بالسيطرة على الكونجرس في نوفمبر، فإن قيادة أمريكا للرد العالمي على العدوان الروسي في أوكرانيا ستواجه تحديًا داخليًا وستضعف بالتأكيد.
تشير التقارير الواردة من موسكو إلى أن بوتين يراهن على مثل هذه النتيجة لانتخابات نوفمبر. بعبارة أخرى، قد يشعر بوتين أن الوقت في صالحه، وقد يكون على حق، حيث يستمر الجمود في ساحة المعركة أسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهر، حيث يموت مئات الجنود الروس والأوكرانيين والمدنيين الأوكرانيين يوميًا، وينزح الملايين من منازلهم التي أصبح الكثير منها ركاماً، ولا يستطيع أي جيش التغلب على الآخر.
تعتمد الأمور في هذا المجال على ثلاث قضايا أساسية مترابطة. المسألة الأولى، هو ما إذا كان يمكن لأوكرانيا أن تحافظ على القدرة القتالية والصمود، وتكبيد العدو الخسائر، والحفاظ على الروح المعنوية للجبهة الداخلية. تتوقف الإجابة على هذا الأمر باستمرار تدفق الأسلحة الغربية والدعم الدبلوماسي، ليس فقط من الولايات المتحدة ولكن أيضًا من أوروبا الغربية. ويعتمد استمرار الدعم الغربي، بدوره، على رغبة الناخبين الغربيين في التعايش مع الآثار الجانبية لهذه الحرب مثل، ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة، ونقص امدادات الطاقة والقمح والمنتجات الأساسية الأخرى. لقد تم بالفعل تراجع الحرب من الصفحات الاولي للأخبار وحلت محلها القضايا المحلية مثل السيطرة على السلاح والإجهاض. قد يتآكل الدعم المستمر لأوكرانيا قريبًا، إذا لم يكن بالفعل قد حدث بالفعل.
المسألة الثانية عسكرية. فعلى الرغم من أن القوات الأوكرانية نجحت في السيطرة على الأمور حتى الآن في شمال أوكرانيا، وفي الدفاع عن كييف، إلا أن من الواضح أنها تعاني للحفاظ على مواقعها في دونباس. لا يزال السؤال حول ما إذا كانت هذه الدولة الممزقة، حتى لو كانت مدعومة بالمساعدات العسكرية الغربية المستمرة، قادرة على الاستمرار في تخفيف حدة الهجمات الروسية التي لا هوادة فيها. أخذاً في الاعتبار أن عدد سكان أوكرانيا أقل من ثلث عدد سكان روسيا، واقتصادها تُسع حجم اقتصاد روسيا. حتى الآن، كان أداء أوكرانيا رائعًا رغم كل التوقعات. في الجانب الآخر من المحتمل أن تؤدي مجموعة من العوامل المتلازمة من الخسائر المتزايدة، والاستنفاد المذهل في المعدات العسكرية، وتراجع الروح المعنوية إلى توقف الهجوم الروسي وفقدان زخمه وقوته، لكن يبقى السؤال الصعب: إلى متى يمكن لأوكرانيا أن تستمر في صد روسيا اليائسة؟
علاوة على ذلك، ألمح بوتين إلى أنه سيستخدم أي أسلحة، بما في ذلك الأسلحة النووية، إذا لزم الأمر، لتحقيق النصر في الحرب، وبالتأكيد لتجنب الهزيمة. وقد حذر الدكتاتور الروسي المحاصر، من أنه إذا زادت الولايات المتحدة المساعدات وأعطت الأوكرانيين أنظمة صواريخ أطول مدى يصل لأكثر من 50 ميلاً، "فسوف نستخلص النتائج المناسبة من هذا ونستخدم أسلحتنا، التي لدينا ما يكفي منها، وسنضرب أهدافاً لم نضربها بعد ".
لا يبدو أن بوتين هو زعيم ينحو باتجاه عقد صفقة مع أوكرانيا. بدلاً من ذلك، يبدو أنه يعتقد أن بإمكان روسيا القتال مهما استغرق الأمر لتحقيق أهدافه.
المسألة الثالثة تتعلق بتأثير الحرب والعقوبات الغربية على الشعب الروسي. لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت العقوبات الاقتصادية الغربية يمكن أن تلحق ضررًا كافيًا بالاقتصاد الروسي لإجبار بوتين على تعديل أهدافه الحربية. يعطينا التاريخ القليل من التفاؤل. فنادرًا ما تسببت العقوبات الاقتصادية في تخلي الدول عما اعتبرته أهدافًا حيوية للأمن القومي.
بالإضافة لذلك، يمكن قراءة الرأي العام الروسي حول الحرب بطرق مختلفة. تشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها مركز ليفادا في موسكو إلى أن ما يقرب من نصف الشعب الروسي يدعم "دون قيد أو شرط" حرب بوتين، ويؤيدها 30٪ أيضًا ولكن مع "تحفظات"، ويعارضها 19٪. لكن قد تتزايد المعارضة مع زيادة عدد القتلى الروس وعودة المحاربين الجرحى إلى ديارهم، كما حدث في الحرب السوفيتية في أفغانستان في الثمانينيات.
يجب وضع عاملين آخرين في الاعتبار عند الحكم على الرأي العام الروسي. أحدهما هو تعمق الاحباط بين الشباب الروس الذين استمتعوا بالتواصل مع العالم الغربي وبنمط الحياة الغربية لكنهم رأوها تتلاشى يومًا بعد يوم. وقد غادر بالفعل عدة آلاف البلاد. ينتمي هؤلاء إلى طبقة وسطى آخذة في التوسع، ويبدو أنهم حريصون، كما قال أحد معلمي اللغة الروسية، "للعودة إلى الحياة العادية." العامل الآخر هو وحوج عشرات الآلاف من الروس الشجعان من مختلف طبقات المجتمع، عارضوا الحرب علنًا في عشرات الرسائل المرسلة بشكل مباشر وعلني إلى الكرملين. تم جمع هذه الرسائل عن طريق الإنترنت، وتحليلها من قبل جون فرانسيس، الباحث الأمريكي في الشأن الروسي.
أخيرًا، يتساءل المرء في الوقت الذي تتعثر الحرب، هل يمكن للترابط والتوافق الوثيق بين المصالح القومية للولايات المتحدة وأوكرانيا أن يستمر. من المحتمل أن تظهر الخلافات وذلك مع مرور الوقت ومع حدوث تغييرات في السياسة الداخلية لكل بلد. على سبيل المثال، إذا بدأت مفاوضات من نوع ما، وأصرت أوكرانيا بالفعل على انسحاب روسيا إلى حدود ما قبل عام 2014، والتخلي عن شبه جزيرة القرم وعن إقليم دونباس، وسترفض روسيا هذا كما هو متوقع، فماذا ستفعل الولايات المتحدة؟ يشكك معظم الخبراء الأمريكيين في احتمالية تخلى روسيا عن الأراضي الأوكرانية التي يعتبرها بوتين تقريبًا مقدسة والتي دفعت روسيا في هذه الحرب من أجلها ثمناً باهظاً في الأرواح والأموال. هل ستستمر الولايات المتحدة بشكل قاطع في الوقوف إلى جانب أوكرانيا، حتى لو لم تتفق مع الموقف الأوكراني، أو تضغط على كييف للتخلي عن أجزاء كبيرة من البلاد؟ حسب أقوال زيلينسكي، تحتل روسيا بالفعل 20٪ من أراضي أوكرانيا. هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب روسيا كطريقة لإنهاء الحرب؟ نحن نطرح هذه الأسئلة ليس من أجل الترويج لتنازلات أوكرانية الآن أو لاحقًا، ولكن لمجرد الإشارة إلى أن الاعتبارات السياسية والعسكرية والاقتصادية قد تجعل التنازلات أمراً لا مفر منه في أي مفاوضات جادة.
سيكون من الحكمة أن يفكر القادة الغربيون بهدوء في الخيارات الواقعية قبل ظهور أزمة من هذا النوع. ولكن، لكي نكون واضحين، سيكون من غير الحكمة الآن أن يتحدثوا عن حلول وسط مثيرة للانقسام قد يتم فرضها لاحقًا على أوكرانيا كثمن للسلام.