حرب الوعي بين (إسرائيل) وحماس: التداعيات والتوصيات
معهد الأمن القومي، يونيو 2022
تعمل حماس طوال العام الماضي، وبشكل أكثر تحديدًا خلال هذه الموجة الحالية من الإرهاب، لتقديم نفسها كمنظمة قوية تنجح في هزيمة (إسرائيل) -حتى عندما لا يتطابق ذلك مع الوضع على الأرض. تسقط (إسرائيل) مراراً في الحفرة التي حفرتها حماس، وتفشل في ترجمة تفوقها العسكري في علاقتها مع حماس أمام الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي. السؤال هو كيف يمكننا النجاح بلعبة الوعي؟
هناك حملة على الوعي بين حماس وإسرائيل، وهي الحملة التي ستحدد شكل الرواية التي ستملي التصورات حول إنجازات كل جانب على الساحات المحلية والإقليمية وحتى العالمية. تبذل حماس جهودًا كبيرة لتضخيم صورتها في مواجهة (إسرائيل) حيث أنها تحاصر (إسرائيل) في خمس ساحات: تهدد الحركة بإطلاق الصواريخ والعمليات الإرهابية من قطاع غزة، وتقدم نفسها على أنها المدافع عن الأقصى في القدس وتحرك نشطاء "المقاومة" في مدن الضفة الغربية وبين المواطنين العرب في (إسرائيل)، وتطلق الصواريخ من لبنان. من الناحية العملية، تستغل حماس بشكل رئيسي أعمال الشغب والهجمات الإرهابية وليست هي التي تديرها. ومن ثم، فإن (إسرائيل) تواجه تحديًا منهجيًا يتمثل في إحباط أو على الأقل تعطيل حملة الوعي المتطورة التي تشنها حماس ضد (إسرائيل). يحلل هذا المقال أساسات الرواية التي صنعتها حماس، ويفحص دور (إسرائيل) في تعزيزها بشكل غير مقصود، ويختتم بمبادئ وخطوات يمكن أن تغير وجه الحملة على الوعي لصالح (إسرائيل).
يمكن للحملة على الوعي أن تكون فعالة عندما يتم استخدامها بشكل مكثف ومنهجي، حيث تجمع بين التصريحات العلنية والإجراءات الهادئة وراء الكواليس أو خلف لوحة المفاتيح التي تدفع الناس سواء كمجموعات أو منفردين للتحرك وتنفيذ هجمات. بهذه الطريقة نجحت حماس منذ زمن بعيد في بث رسائل في الجمهور الفلسطيني تتناسب مع استراتيجية حماس. كما ينساق الجمهور الإسرائيلي لرسائل حماس ويعطيها قوة أكبر بكثير من قدراتها الفعلية. أدت الهجمات الإرهابية وأعمال الشغب التي وقعت في الشهرين الماضيين، بتشجيع من حماس، إلى خسائر فادحة في أرواح الإسرائيليين وحظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق ومكثفة، مما خلق شعوراً بالقلق بين الجمهور.
تخدم الحملة المعرفية التي تشنها حماس منذ عملية حارس الأسوار في مايو2021 عدة أغراض استراتيجية. الأول، هو تحويل التركيز الحالي للحرب بعيدًا عن قطاع غزة، حيث يمكن لـ(إسرائيل) أن تسبب أضراراً جسيمة من خلال النشاط العسكري المباشر، باتجاه ساحات القدس الشرقية وداخل (إسرائيل)، حيث يكون تدخلها المباشر غير معلن بشكل واضح، وحيث يُنظر إليها بشكل أساسي على أنها مساعدة للآخرين لإحداث احتكاكات مع (إسرائيل) مع الحفاظ على صورتها كمحرض على أعمال العنف. وهكذا، تثير حماس الفتنة دون أن تضطر لدفع ثمن في غزة، على الرغم من أن (إسرائيل) في الأشهر الأخيرة تعتبر حماس "اليد التي تحرك الأمور".
صوّرت حماس عملية "حارس الأسوار" على أنها من أجل الحفاظ على السيادة الإسلامية على المسجد الأقصى، على الرغم من أن الحرب مع (إسرائيل) حدثت بشكل رئيسي بين قطاع غزة والمدن الإسرائيلية. كان الاسم الذي اختارته حماس هو "سيف القدس" لما يحتويه المصطلح من معنى ديني واضح، بينما (إسرائيل)، وبناءً على حساباتها، ساعدت الحركة عندما أطلقت على العملية العسكرية حارس الابواب. في نهاية العملية، نجحت حماس في ترويج روايتها وسط جمهورها المستهدف، بأن لها اليد العليا، وتعزيز صورتها كمدافع عن الأماكن المقدسة في القدس، مع إخفاء إخفاقاتها العملياتية وتهميشها.
بعد مرور عام على عملية "حارس الاسوار" وبعد سلسلة من الهجمات الإرهابية في (إسرائيل) في الأشهر الأخيرة، هناك حملة متنامية على الوعي تقودها حماس. رسائلها الرئيسية هي:
- أن حماس هي التي تقف وراء سلسلة الهجمات الإرهابية في (إسرائيل)، وكذلك التظاهرات في الحرم القدسي وفي أماكن مختلفة من الضفة الغربية وإطلاق صاروخ من لبنان في 25 أبريل. حتى أن المنظمة تبنت المسؤولية المباشرة عن عملية ارهابية في ارئيل رغم انها لم تكن مسؤولة عنها. وأشادت حماس بمنفذي العمليات بمن فيهم خصومها المرتبطين بداعش. لكن عبر تبني حماس المسؤولية عن إحدى العمليات عن استيائها الشديد نتيجة إحباك ومنع عشرات الهجمات ضد (إسرائيل) خلال شهر رمضان، والتي خططت المنظمة لبعضها.
- تأجيج التوترات المحيطة بالحرم القدسي وإبراز الخلاف الإقليمي والعالمي بشأن السيادة في الحرم، من أجل زيادة الضغط السياسي على (إسرائيل).
- ترسيخ صورة حماس ومكانتها كقائدة للنضال الفلسطيني المباشر ضد (إسرائيل).
- التدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية من خلال الضغط المباشر على (القائمة العربية الموحدة) للاستقالة من الحكومة.
يتم التعبير عن الانطباع بوجود حماس قوية وقادرة على إدارة عدة ميادين لمهاجمة (إسرائيل) في نفس الوقت في خطابات وتهديدات كبار مسؤولي حماس. حيث صرح إسماعيل هنية مرارًا أن القدس والمسجد الأقصى في قلب الصراع، بل تفاخر بأن المقاومة التي تقودها حماس هي التي تحدد ميزان القوى حاليًا في المنطقة. وهدد زعيم حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بأن استمرار دخول قوات الشرطة الإسرائيلية إلى الحرم القدسي سيشعل فتيل حرب دينية إقليمية، وسخر من (إسرائيل) قائلاً إنها ضعيفة مثل بيت العنكبوت، ودعا كل فلسطيني لحمل بندقية أو سكين أو فأس وقتل يهودي.
تبين بعد التحقيق في الهجمات الإرهابية الست التي وقعت خلال الشهرين الماضيين، والتي أودت بحياة 19 إسرائيليًا، من قبل مسؤولون في قوات الأمن الإسرائيلية أنه لا صلة مباشرة بين منفذيها وحركة حماس. يتناسب هذا الاستنتاج مع استراتيجية حماس بشن حملة على الوعي، خاصة في المجال الرقمي، الذي جوهره التحريض والإثارة، ولكن دون دليل على أي صلة مباشرة بينها وبين الهجمات، وترسيخ صورة الحركة كقائدة للمقاومة المسلحة ضد (إسرائيل) وكمسؤولة عن الشعور بالقلق الذي أحدثته الهجمات بين مواطني (إسرائيل). ويرجع ذلك أساسًا إلى صورة السلطة الفلسطينية، المنافس الرئيسي للحركة، التي يُنظر إليها على أنها ضعيفة وفاسدة ومتعاونة مع (إسرائيل).
سياسة (إسرائيل)
(إسرائيل) تسقط في الحفرة التي حفرتها لها حماس. مشاعر القلق وضعف الأمن الشخصي أمر مفهوم عقب وقوع الهجمات الإرهابية المميتة. لكن بالمقابل دعمت المؤسسات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي في (إسرائيل) هذا الجو من خلال توفير بث مباشر ومتكرر وبدون رقابة لمشاهد الدم والقتل والفوضى الصعبة من أماكن الهجمات، وأحيانًا من أجل مصلحة سياسية أو شعبوية.
من أجل التعامل بشكل فعال مع سياسة حماس في معركة الوعي، يوصى بأن تتخذ (إسرائيل) الإجراءات التالية:
أولاً، يجب على الشخصيات الإعلامية والخبراء والمعلقين ضمان تقديم تعليقات احترافية بناءً على الحقائق مع استخدام الأسلوب المهني في الحكم على الأحداث، وكذلك فهم المعركة على الوعي التي تُشن ضد (إسرائيل) عندما ينسبون بشكل قاطع المسؤولية عن الهجمات الإرهابية وأعمال الشغب في (إسرائيل) إلى حماس. التكرار غير المدروس لرسائل الخصم دون وجود فهم عميق هو عامل قوة مضاعفة للإرهابيين، الذين يُعولون على وسائل الإعلام الإسرائيلية لترويج وتعزيز رسائلهم.
ثانيًا، تُظهر الهجمات الإرهابية في مدن (إسرائيل) وأعمال الشغب التي وقعت مؤخرًا في القدس أن (إسرائيل) بحاجة للاهتمام بالبعد الهجومي للتأثير على الجمهور الفلسطيني والجماهير المستهدفة الأخرى، بالإضافة طبعاً للعمل في البعد الدفاعي، من خلال تثبيط جهود التحريض والدعاية التي تقوم بها حماس في أوساط الجمهور الفلسطيني المستهدف وعلى الساحتين الدولية والإقليمية. في مواجهة الحملة التي تشنها حماس، هناك حاجة إلى حملة إسرائيلية هجومية ودفاعية مشتركة تدمج الجهود المختلفة بشكل واسع ومستمر لتعطيل إجراءات الخصم. طبعاً هذا العمل المشترك مطلوب بشكل روتيني وبالتأكيد في أوقات الأزمات، كما تم التعبير عنه الشهر الماضي من خلال تجنيد جميع قوات الأمن الإسرائيلية (جيش الدفاع الإسرائيلي، وجهاز الأمن العام، ووزارة الخارجية، ومديرية المعلومات الوطنية)، كجزء من الحملة الوطنية للتأثير، مع تطوير وتوسيع البعد الدفاعي.
ثالثًا، على الصعيد الدولي، حيث يتمتع الفلسطينيون عادةً بالدعم نظرًا لكونهم الجانب الأضعف في الصراع مع (إسرائيل)، من الضروري زيادة النشاط بشكل أساسي في البعد الرقمي. يجب على (إسرائيل) أن تتخذ إجراءات روتينية لبناء الثقة والمصداقية لنشر رسائلها وتعزيز حملاتها الاعلامية لبث الوعي، مع تجنيد المؤثرين في (إسرائيل) وفي جميع أنحاء العالم وكذلك عامة الناس في (إسرائيل) وخارجها ضمن هذه الحملات.