الولايات المتحدة بحاجة لاستراتيجية لشرق أوسط متغير
ذا هيل، يونيو 2022
تكشف الأحداث والتطورات الأخيرة، بأن الشرق الأوسط أصبح وبشكل متزايد منطقة منقسمة، (إسرائيل) وحلفائها العرب السنة الذين يزداد عددهم من جهة، وإيران وحلفائها من الدول والجماعات الإرهابية من جهة أخرى.
فقد مضت الأيام التي كانت المنطقة تنقسم فيها بطريقة مختلفة –(إسرائيل) من جهة وكل الأطراف على الجهة الأخرى-حيث كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعتبر العقبة الرئيسية أمام السلام العربي الإسرائيلي الواسع.
هذ الشرق الأوسط المتغير سيترك تداعيات كبيرة على الجهود المبذولة لإحياء الاتفاقية النووية الموقعة 2015 مع إيران، والتي استندت إلى آمال الولايات المتحدة الساذجة بأن تعمل الاتفاقية على تهدئة النظام المتطرف في طهران وبناء علاقات أمريكية إيرانية أكثر دفئًا. في هذه المرحلة، يجب على واشنطن والقدس والحكومات المتقاربة في الرؤية أن تستعد للأمور لما بعد هذا الاتفاق -سواء عاد الاتفاق للحياة أم لا.
لنضع في الاعتبار ما رأيناه عبر المنطقة في الأيام الأخيرة فقط. كبداية، وقعت (إسرائيل) والإمارات العربية المتحدة أول اتفاقية تجارة حرة شاملة بين الدولة اليهودية ودولة عربية، ومن المتوقع أن تتوسع التجارة بشكل كبير بين هاتين الدولتين في السنوات القادمة وأن تشجع الشركات الإسرائيلية على بناء المصانع في الإمارات.
تستند الصفقة التجارية على اتفاقيات "إبراهيم" الموقعة عام 2020 التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي أدت إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين (إسرائيل) والإمارات والبحرين والسودان والمغرب -والتي سبقتها مصر عام 1979 والأردن عام 1994، أدى هذا إلى زيادة عدد الدول العربية التي تقيم علاقات رسمية مع (إسرائيل) لستة.
في الوقت نفسه، تتزايد الاحتمالات بأن المملكة العربية السعودية، الدولة السنية الأكثر نفوذاً في المنطقة، تقترب تدريجياً من تطبيع العلاقات مع (إسرائيل). وبحسب ما هو متداول سيزور الرئيس بايدن المملكة العربية السعودية كجزء من رحلته إلى أوروبا وإسرائيل في الأسابيع المقبلة، وسلط وزير الخارجية أنتوني بلينكين الضوء على "الدور الحاسم" للرياض في التوسع المحتمل لاتفاقات "إبراهيم".
في خطوة يمكن أن تضع أساسًا مهمًا للتطبيع السعودي الإسرائيلي الكامل، تتوسط واشنطن في مفاوضات حساسة بين القدس والرياض والقاهرة تتضمن نقل جزيرتين في البحر الأحمر -كانتا منزوعة السلاح بموجب اتفاق السلام الإسرائيلي المصري -من مصر الى السعودية.
وكما تعمق القدس علاقاتها مع العالم السني، تواصل طهران توسيع برنامجها النووي وزعزعة استقرار المنطقة.
على الصعيد النووي، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران لم تقدم حتى الآن إجابات "موثوقة" على المواد النووية التي عثرت عليها في إيران، وأن إيران لديها الآن ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي. وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن إيران تمكنت من الوصول للوثائق السرية للوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن واستخدمتها لإخفاء عملها السابق المشتبه به بشأن الأسلحة النووية.
فيما يتعلق بالإقليم بشكل أوسع، أعرب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن قلقه من أن يؤدي سحب روسيا لقواتها من جنوب سوريا لخلق فراغ يمكن أن يملأه الإيرانيون ووكلائهم. لذلك، لسوء الحظ، فإننا نتوقع تصعيداً في المشاكل على حدودنا.
أما في الخليج العربي، فقد احتجزت القوات الإيرانية ناقلتين يونانيتين قالت أثينا إنهما كانتا في المياه الدولية - ردًا على احتجاز اليونان لناقلة إيرانية بغرض فرض العقوبات المتعلقة بالنفط على إيران - وقال مصدر لوكالة تسنيم الإيرانية للأنباء إن طهران يمكن أن تحتجز سبعة عشر سفينة يونانية أخرى كانت موجودة في الخليج.
كل هذه الأمور تجعل الاتفاقية النووية لعام 2015 مع إيران تبدو وكأنها شيء غريب من زمن سابق. علاوة على ذلك، تبدو المحادثات في فيينا حول إحياء الاتفاق وكأنها موجودة في عالم آخر وليس لها ارتباط بواقع اليوم: فبرنامج إيران النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية المرتبط به أكثر تقدمًا بكثير مما كانا عليه في عام 2015، وترفض طهران كشف النقاب عن أنشطتها النووية السابقة، وأصبح النظام أكثر جرأة في سلوكه العدواني في الإقليم.
هناك الكثير من نقاد الاتفاقية يقترح أحدهم وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ روبرت مينينديز، بأن على واشنطن تبني استراتيجية جديدة تجاه إيران لا تركز على إحياء اتفاقية نووية كانت -في قيودها المحدودة زمنياً المفروضة على العمل النووي الإيراني ونظام التفتيش المليء بالثغرات -ضعيفة منذ البداية.
ربما تلمح إدارة بايدن إلى موافقتها على هذا. وفيما يبدو أنه تطلع لما بعد إحياء الاتفاقية، التقى مسؤولون أمنيون أمريكيون وإسرائيليون لمناقشة سبل منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. جاء ذلك الاجتماع بعد ساعات فقط من محاكاة سلاح الجو الإسرائيلي لضربة على أهداف إقليمية بما في ذلك إيران، والتي تم خلالها إعادة تزويد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بالوقود من قبل سلاح الجو الأمريكي.
يجب على واشنطن بالإضافة لردع طهران من خلال التهديد بعمل عسكري، أن تعزز أيضاً روابط أقوى مع الشعب الإيراني، الذي يحتج حاليًا على ارتفاع التضخم والبطالة والفقر في شوارع العديد من المدن والذين من المفترض أنهم تعبوا من حكومتهم البغيضة والتي يمكن أن يغيروها في مرحلة ما بأخرى أكثر استجابة لتطلعاتهم – وقد يبحثون عن الدعم في المستقبل من الولايات المتحدة.
تفتقر واشنطن إلى استراتيجية شاملة لتقييد وتحجيم النظام الإيراني مع تعزيز العلاقات الأمريكية مع الشعب الايراني. يحتاج الشرق الأوسط المتغير بشكل متزايد تطوير هذه الاستراتيجية أكثر من أي وقت مضى.