واقع سوريا الجديد وفرص إقامة علاقات رسمية بين حركة حماس والإدارة الجديدة

مركز الدراسات السياسية والتنموية
مقدمة
شهدت سوريا تحولًا جذريًا عقب "هجوم ردع العدوان" الذي قادته قوى الثورة السورية في نوفمبر 2024، ما أدى إلى انهيار سريع لقوات النظام في حلب وحماة وحمص وصولًا إلى سقوط دمشق وانهيار نظام بشار الأسد.
هذا الحدث مثل زلزالًا في المنطقة، إذ كان نظام الأسد من أكثر الأنظمة تسلطًا في الوطن العربي لعقود، وسقوطه أعاد إحياء ذكريات الربيع العربي الذي انطلق عام 2011.
إلا أن تعقيدات المشهد السوري أضافت أبعادًا جديدة، حيث لعب التحالف بين نظام الأسد وأطراف أخرى في المنطقة دورًا رئيسًا في تأجيج الصراع، مما ولّد شقاقًا غير مسبوق مقارنة بالثورات العربية الأخرى، واستخدم النظام السوري وداعموه خطابًا يربط بين المعارضة السورية والكيان الإسرائيلي وأمريكا، بينما استغل الكيان الإسرائيلي هذه التناقضات لادعاء دورها في إسقاط الأسد، كما صرّح بذلك بنيامين نتنياهو مشيرًا إلى الضربات التي وُجّهت لحزب الله في لبنان.
بالنسبة لحركة حماس، فقد تعاملت مع الأزمة السورية بحسابات معقدة، فمن جهة، تنطلق الحركة من موقف مبدئي داعم لحق الشعوب في الحرية والكرامة، لكنها في الوقت نفسه كانت تملك تمثيلًا سياسيًا في دمشق وعلاقات وثيقة مع إيران، حليف النظام السوري، وحاولت حماس التوسط بين النظام والمعارضة في البداية، لكنها انسحبت من دمشق لاحقًا بسبب تصاعد قمع النظام للثورة، وعلى الرغم من أن هذا الموقف حظي بتقدير المعارضة السورية، إلا أن استئناف علاقات حماس مع النظام قبل عامين من سقوطه أضرّ بصورتها لدى قطاعات من الشعب السوري.
اليوم، تواجه سوريا الجديدة تحديات معقدة؛ فالعقوبات الغربية لا تزال قائمة، والبلاد منهكة من الحرب، والكيان الإسرائيلي يستغل الفراغ عبر ضرب الجيش السوري ومحاولة فرض وقائع جديدة على الأرض.
في ظل هذه الظروف، كيف يمكن أن تتشكل العلاقة بين حركة حماس والإدارة السورية الجديدة؟ وما هو السيناريو الأكثر ترجيحًا لهذه العلاقة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟
دور الفاعلين الإقليميين والدوليين
لا تقتصر معادلات التحالفات على مشهد داخلي، بل تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا محوريًا في رسم ملامح المستقبل السياسي لسوريا.
- روسيا وتركيا: تلعب روسيا دور الحليف الرئيسي للنظام السوري السابق، ولها تأثير كبير في المشهد السياسي الحالي، بينما تسعى تركيا إلى حماية مصالحها الإقليمية وتوفير مساحات نفوذ في شمال سوريا.
- الدول الخليجية: خصوصًا السعودية والإمارات، التي تشهد تحركات دبلوماسية تهدف إلى إعادة رسم موازين القوى في المنطقة من خلال دعم الإدارة السورية الجديدة في إطار الانخراط العربي.
وهنا الفاعلين يشكلون عوامل ضغط تؤثر على الخيارات المتاحة لسوريا الجديدة، مما يجعل العلاقة مع حماس جزءًا من معادلة أوسع تشمل العلاقات مع حركة تتلقى إسنادا من دول مثل إيران التي ترى فيها الإدارة السورية الجديدة مناهضا لوجودها في سوريا ما يلقي بظلال متشابكة وتوازنات جيوسياسية دقيقة.
العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على السياسة
لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي والاجتماعي في تحليل المشهد السوري الحالي.
- الوضع الاقتصادي المتردي: تعاني سوريا من أضرار اقتصادية جسيمة ناجمة عن سنوات الحرب، مع استمرار العقوبات الغربية التي أثرت بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي.
- التحديات الإنسانية: الأزمة الإنسانية واللاجئين وتدمير البنية التحتية تزيد من تعقيد الخيارات السياسية؛ فالإدارة السورية الجديدة تواجه ضغوطًا لإعادة إعمار البلاد وتحسين معيشة المواطنين، وهو ما يستدعي تبني سياسات توافق بين مصالح القوى السياسية والاجتماعية.
هذا الواقع يجعل من الضروري أن تُبنى العلاقات الخارجية، مثل تلك مع حماس، على أساس يأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على مصداقية السياسات السورية الجديدة.
آفاق العلاقة بين حماس وسوريا الجديدة
عوامل تعيق إقامة علاقة بين حماس والإدارة السورية الجديدة
- الرغبة في القطيعة مع المشروع الإيراني
يحمل الشعب السوري جرحًا عميقًا بسبب الدور الإيراني في دعم نظام الأسد، حيث لعبت إيران وحزب الله دورًا محوريًا في قمع الثورة، ونظرًا للعلاقة القوية بين حماس وإيران، قد يكون هناك تردد سوري في التقارب مع الحركة.
- السعي لرفع العقوبات الغربية
تسعى الإدارة السورية الجديدة لإنهاء العقوبات الغربية التي لا تزال مفروضة رغم سقوط النظام. وتطلب الدول الغربية من الحكومة السورية الجديدة تقديم إشارات واضحة حول توجهاتها السياسية، ما قد يجعلها أكثر تحفظًا في بناء علاقات مع جهات مرتبطة بإيران، ومنها حماس.
- التوجه نحو الاندماج مع النظام العربي الرسمي
اختار الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، السعودية لتكون أولى محطاته الخارجية، كما زار وزير خارجيته الإمارات، وشاركت سوريا الجديدة في القمة العربية حيث التقى الشرع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، هذا التوجه نحو تعزيز العلاقات مع الأنظمة العربية الرسمية قد يدفع دمشق إلى النأي بنفسها عن الحركات الإسلامية، بما في ذلك حماس.
- التخوف من التوظيف الإسرائيلي للوجود الحمساوي في سوريا
منذ سقوط نظام الأسد، تحاول حكومة الاحتلال الإسرائيلي استغلال الوضع لشن هجمات جديدة وتوسيع نفوذها في سوريا، وقد تستخدم (تل أبيب) أي تقارب بين حماس والإدارة السورية الجديدة كذريعة لمزيد من التصعيد، ما قد يدفع الحكومة السورية إلى الحذر في إدارة علاقتها مع الحركة.
عوامل تدعم إقامة علاقة بين حماس وسوريا الجديدة
- الموقف المبدئي لحماس من الثورة السورية
انسحاب حماس من دمشق في بداية الثورة وتعرض عناصرها للقمع على يد نظام الأسد، فضلًا عن انخراط فلسطينيين من سوريا في القتال ضد النظام، عوامل قد تساهم في إعادة بناء الثقة بين الحركة والإدارة الجديدة.
- الثقل السياسي لحماس في المشهد الفلسطيني والعربي
تُمثل حماس فاعلًا رئيسًا في القضية الفلسطينية وتحظى بتأييد شعبي واسع في العالم العربي، وهذا الدور قد يكون عاملًا محفزًا للحكومة السورية الجديدة للتقارب معها، خاصة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي.
- مواجهة التهديدات الإسرائيلية المشتركة
الاستهداف الإسرائيلي لسوريا عقب سقوط الأسد يعزز الحاجة إلى بناء تحالفات لمواجهة المشروع الصهيوني، وفي هذا السياق، قد تجد سوريا الجديدة مصلحة في التقارب مع حماس.
- ضرورة معالجة أوضاع فلسطينيي سوريا
لعب الفلسطينيون دورًا بارزًا في الثورة السورية، وتعرضت مخيماتهم للتدمير، خاصة مخيم اليرموك، وإعادة إعمار هذه المناطق وضمان حقوق الفلسطينيين في سوريا يتطلب تعاونًا بين الحكومة الجديدة وممثلين عنهم، وهو ما يجعل العلاقة مع حماس ذات أهمية.
خيارات العلاقة بين حماس والإدارة السورية الجديدة
- التقارب الكامل والتحالف الاستراتيجي
هذا الخيار مستبعد حاليًا بسبب أولويات الحكومة السورية في تعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، لكنه قد يصبح مطروحًا مستقبليًا إذا استمر العدوان الإسرائيلي على سوريا وتزايدت الضغوط عليها.
- القطيعة التامة
هذا الخيار غير مرجح، لأن حماس لم تدعم نظام الأسد بعد اندلاع الثورة، ولأن مصادر سورية أشارت إلى أن الرئيس أحمد الشرع قرر إعادة بعض مقار الحركة التي صودرت منذ أكثر من 13 عامًا.
- التقارب المحدود (الخيار الأكثر ترجيحًا)
من المرجح أن تقتصر العلاقة بين حماس وسوريا الجديدة على مستوى سياسي ومدني محدود، يضمن تمثيل الفلسطينيين في سوريا والتنسيق بشأن القضايا المشتركة، مع تجنب ما قد يسبب حرجًا للحكومة السورية في علاقاتها الدولية.
خلاصة
على صعيد التوجه السياسي، يظهر موقف حماس مزيجًا من المبادئ الثورية والمرونة التكتيكية؛ فقد تَبَنّت الحركة منذ البداية موقفها الثوري الذي يدعو إلى تحرير الشعوب والوقوف ضد الأنظمة القمعية، إلا أن واقع التحالفات الإقليمية والضغوط الخارجية فرض عليها إعادة النظر في توجهاتها السياسية، فتجربتها في دمشق، التي شهدت انسحابها إثر تصاعد قمع النظام، تؤكد على أن حماس تسعى لتأكيد استقلاليتها ومبادئها دون الدخول في تحالفات قد تُثقل كاهلها بمواقف إقليمية معقدة، خاصةً بالنظر للعلاقات الوثيقة مع إيران.
من جهة أخرى، تتخذ الإدارة السورية الجديدة مسارًا يسعى إلى إعادة بناء الدولة على أسس شرعية وديمقراطية، مع التركيز على إنهاء العقوبات الغربية وإعادة الاندماج في النظام العربي والدولي، وفي ظل هذا التوجه، تواجه دمشق تحديات كبيرة في إدارة علاقاتها الخارجية؛ فهي مضطرة للموازنة بين مصالحها وحاجتها إلى دعم التحالفات الإقليمية دون استقطاب قوى معارضة قد تُضعف موقفها الدولي.
يتقاطع مساران في هذه المرحلة الحرجة؛ فبينما تظل حماس محتفظة بموقفها الثوري والانتقادي تجاه الأنظمة السابقة، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى بناء صورة حديثة تنفصل عن إرث الماضي، وفي هذا السياق، قد يُعد التقارب المحدود الخيار الأنسب، إذ يتيح لسوريا الجديدة الحصول على دعم سياسي محدود وموازنة مصالح الفلسطينيين دون أن تُعرض نفسها لضغوط دولية أو إقليمية قد تُعرقل مساعيها للإصلاح والتنمية.
بهذا التوازن الدقيق، يُمكن أن يتحول هذا التقارب إلى عامل استراتيجي يدعم إعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، بحيث تبقى كل من حماس والإدارة السورية الجديدة على المسار الذي يعكس تطلعاتهما في مواجهة التحديات الإقليمية ولا سيما تهديدات الاحتلال الإسرائيلي.
توصيات
- التركيز على القواسم المشتركة، مثل تطلعات الشعوب العربية للحرية والكرامة، ومواجهة العدوان الإسرائيلي.
- تعزيز الخطاب الإعلامي الذي يكشف المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تفتيت الدول العربية وإضعاف أي مشروع نهضوي.
- فتح قنوات تواصل رسمية وغير رسمية بين حماس والإدارة السورية الجديدة، مع التركيز على الشؤون المدنية وحقوق الفلسطينيين في سوريا.