الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معاناة مستمرة وجهود التحرير عبر صفقات التبادل

مركز الدراسات السياسية والتنموية
مقدمة
تُعد قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إحدى أكثر القضايا الإنسانية والوطنية إلحاحاً في مسيرة النضال الفلسطيني، فهي تجسيد حيّ لمعاناة شعب بأكمله يسعى إلى التحرر من الاحتلال واستعادة حقوقه المسلوبة، وفي ظل السياسات الإسرائيلية القمعية التي تستهدف الشعب الفلسطيني بلا تمييز، تشكّل قضية الأسرى رمزية نضالية عميقة تتخطى حدود السجون، حيث يعكس صمودهم وإصرارهم جوهر النضال الوطني الفلسطيني.
ومع استمرار الاحتلال في انتهاك حقوق الأسرى من خلال الاعتقال التعسفي والإهمال الطبي والتعذيب الممنهج، تتطلع المقاومة الفلسطينية دائماً إلى تحريرهم بشتى الوسائل، وقد أثمرت هذه الجهود مؤخراً عن إنجاز صفقة جديدة لتبادل الأسرى، لتؤكد مرة أخرى أن تحرير الأسرى يحتل صدارة أولويات المقاومة، وأن الإرادة الشعبية لا تزال قادرة على تحقيق انتصارات في وجه الاحتلال رغم التحديات الهائلة.
تهدف هذه الورقة إلى استعراض قضية الأسرى الفلسطينيين، وتسليط الضوء على معاناتهم المستمرة داخل سجون الاحتلال، واستعراض أبرز الإنجازات التي حققتها المقاومة في سبيل تحريرهم، بما في ذلك صفقات التبادل التاريخية، كما تسعى إلى إبراز الأهمية السياسية والإنسانية لهذه القضية ودورها المحوري في الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني، والتأكيد على حق الأسرى في الحرية وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.
1-أوضاع الاسرى داخل السجون
تمر الحركة الأسيرة في أسوأ أوضاعها وأخطر مراحلها، حيث أمعنت سلطات الاحتلال في انتهاكاتها وصعدّت من جرائمها، وتحولت سجونها إلى ساحات للقمع والاعتداءات والقتل البطيء، وأماكن للإهانة والإذلال والتعذيب الممنهج وزرع الأمراض العديدة وحقول تجارب.
إننا أمام دولة احتلال تنتهك القانون الدولي أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، وتشرِّع انتهاكاتها بقوانين عنصرية، وبمشاركة كافة مركبات النظام السياسي فيها، وتتصرف على أنها فوق القانون وخارج نطاق الملاحقة أو المحاسبة، وسعت إلى ترسيخ ثقافة "الإفلات من العقاب" ليس فقط لمن يعملون في الأجهزة الأمنية وإنما أيضا لدى كل الإسرائيليين، مما يدفعهم إلى التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري.
قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إن "الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال يعانون أوضاعًا مروعة تشمل التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، إضافة إلى التنكيل الممنهج والعزل الفردي والجماعي".
وأضافت الهيئة في بيان لها أن هناك نقصًا حادًا في كميات ونوعية الطعام والماء المقدمة للأسرى، حيث حول الاحتلال ماء الشرب إلى وسيلة عقابية عبر توفيره لمدة 45 دقيقة فقط يوميًا.
كما شملت الإجراءات القمعية قطع الكهرباء عن الأسرى وفصلها من الساعة العاشرة ليلًا حتى ظهيرة اليوم التالي، مما يفاقم معاناتهم في ظل الظروف الصعبة داخل الزنازين.
وبيّنت الهيئة أن الاحتلال يحتجز نحو 25 معتقلًا في الغرفة الواحدة، حيث ينام بعضهم على الحديد وآخرون على الأرض بسبب الاكتظاظ وسوء الظروف المعيشية.
وبدوره قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية تمثّل في تصميمها وبنيتها نظامًا منهجيًا قائما بحد ذاته على تعذيب وسوء معاملة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
وأوضح المرصد أنّ افتتاح (إسرائيل) حديثاً "أي ما بعد السابع من أكتوبر" سجن تحت الأرض في مدينة الرملة، وعرض مشاهد للأسرى والمعتقلين داخله في ظروف إنسانية قاسية تنتهك بشكل خطير المعايير الدولية المتعلقة بظروف الاحتجاز، يعكس استهانة بنظام العدالة الدولية، لكنّه يأتي كنتيجة طبيعية لتاريخ طويل من الإفلات من العقاب، بفضل الحماية الكاملة التي تتمتع بها (إسرائيل) من الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية أسرى ومعتقلين فلسطينيين وهم مقيدون داخل زنازين لا تدخلها الشمس، ومغلقة ببوابات حديدية، وبدون أي مراتب أو أغطية، في مكان يقع تحت الأرض. ووفق هيئة البث الإسرائيلية، يتم تقييد المعتقلين وحبسهم في زنزانة صغيرة مدة 23 ساعة يوميًا، مع فرصة واحدة فقط خلال اليوم للخروج إلى فناء صغير مغلق بالكامل، ولا تصل إليه أشعة الشمس.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الادعاء الإسرائيلي بتخصيص السجن للمعتقلين الأكثر خطورة ممن تزعم (إسرائيل) أنّهم من عناصر النخبة التابعة لحماس، وقوات الرضوان التابعة لحزب الله، لا يبرر انتهاك قواعد القانون الدولي المتعلقة بالأسر والاعتقال، إذ تُلزم تلك القواعد بمعاملة جميع الأسرى والمعتقلين معاملة إنسانية دون استثناء، وتحظر الاعتداء على حياتهم وسلامتهم البدنية، بما في ذلك القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، بغض النظر عن أي ظرف كان قد يُستخدم كمبرر لارتكاب هذه الجرائم ضدهم.
وأشار المرصد إلى وجود ما لا يقل عن 30 سجنًا ومركز توقيف معروف، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من معسكرات الاعتقال التي أُنشئت خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، ومن بين هذه المنشآت مركز الاحتجاز في قاعدة سديه تيمان العسكرية، والذي أصبح رمزًا لتعذيب وقتل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، على نحو مشابه لسجني "أبو غريب" و"غوانتانامو" اللذين اشتهرا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وذكر أنّ إدارة السجون تتوزع بين مصلحة السجون الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، ويتناوب الجانبان على ممارسة التنكيل والتعذيب ضد الأسرى والمعتقلين، كما ورد في شهادات فلسطينيين تم الإفراج عنهم.
وأكّد أنّ عشرات الشهادات التي تلقّاها من معتقلين مفرج عنهم، تشير إلى احتجازهم في أماكن مفتوحة محاطة بالأسلاك الشائكة في أماكن صحراوية، أو احتجازهم داخل زنازين ضيقة بلا أي منفذ للتهوية مع ظروف احتجاز سيئة، وغياب شبه تام لأي مرافق أو خدمات بما في ذلك قطع المياه لأيام وساعات طويلة.
القتل داخل السجون وخلال التعذيب
تشير التقارير الحقوقية الى ارتفاع عدد الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى ما يقارب 252 شهيدا منذ عام 1967، فيما تحتجز إدارة السجون الاسرائيلية جثامين 19 أسيرا وذلك وفق نادي الأسير الفلسطيني.
كما وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ (إسرائيل) قتلت في السجون ومراكز الاحتجاز التي يديرها الجيش ومصلحة السجون ما لا يقل عن 60 فلسطينيًا منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، وقد تم الكشف عن مقتل غالبية هؤلاء بعد عدة أسابيع أو أشهر من اعتقالهم، ما يشير إلى احتمال وجود ضحايا آخرين تخفي (إسرائيل) تفاصيل مقتلهم.
2- سبل واجهة الأسرى لقمع الاحتلال
المواجهة بالإضراب عن الطعام
شكلت الإضرابات الفردية التي خاضها المعتقلون الإداريون، خلال السنوات الماضية، تحولاً مهماً في مواجهة الاعتقال الإداري، وفضح هذه السياسة على كافة المستويات، وكانت بمثابة قضية كاشفة، سواء فيما يتعلق بجملة سياسات وأدوات الاحتلال، وكذلك على صعيد المواجهة في سجون الاحتلال.
وفرضت قضية نضال المعتقلين بالإضراب عن الطعام ضد الاعتقال الإداريّ على مدار السنوات الماضية تحولًا كبيرًا وهام في هذه القضية، في إطار استمرار نضالهم لنيل حريتهم، فمنذ أواخر عام 2011، بلغ عدد المعتقلين الذين خاضوا إضرابات عن الطعام أكثر من 400 معتقل.
مقاطعة محاكم الاحتلال
يقاطع المعتقلون الإداريون خلال عدة فترات زمنية محاكم الاحتلال بكافة درجاتها، حيث إن هذه الخطوة بما تحمله من أبعاد وطنية هامة على مستوى التعامل مع الجهاز القضائي للاحتلال، ساهمت سابقًا ومن خلال التجربة بإحداث تصدعات كبيرة في "شرعية" هذه المحاكم، بل وعملت على إسقاط أي شرعية يمكن أن يمنحها التعامل معها.
حيث يشكل الجهاز القضائي للاحتلال الذراع الأساس في ترسيخ سياسة الاعتقال الإداري، وقد كشفت قضايا المعتقلين الذين خاضوا إضرابات عن الطعام على مدار سنوات، خطورة الاستمرار في التوجه لهذه المحاكم، التي عملت على ابتكار العديد من القرارات التي دعمت موقف مخابرات الاحتلال، وفتحت لها نوافذ جديدة للاستمرار في اعتقال المزيد من الفلسطينيين.
إن هذه المعطيات تشكل مؤشرًا في غاية الخطورة مقارنة مع الشهور الماضية التي سبقت المواجهة، والتي تؤكد على أنّ سلطات الاحتلال ماضية في استخدام هذه السياسة على نطاق واسع منتهكة بذلك كل القيود التي فرضت دوليًا على استخدام هذا النوع من الاعتقال الذي يُعدّ تعسفياً، ومع ذلك فإن جهود ردع الاحتلال عن سياساته التنكيلية الممنهجة، للأسف لم ترق إلى المستوى المطلوب على عدة مستويات وما يزال الفلسطيني بما فيهم الأسرى والمعتقلين يأملون أن يكون هناك منظومة تنصفهم وتوقف الانتهاكات المتصاعدة بحقّهم.
ويؤكد نادي الأسير أنّه وعلى الرغم من موقف المؤسسات الحقوقية الدولية الصريح والواضح من هذه سياسة الاعتقال الإداري، باعتبارها جريمة وانتهاكًا جسيمًا للقواعد الأساسية للقانون الدولي وأعرافه، وهذا ما أقرت به منظمة العفو الدولية "أمنستي" مؤخرًا خلال تقريرها "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين"، -وكما ورد في التقرير عن الاعتقال الإداريّ والتعذيب، "أنه يمثل جزءًا من اعتداء الدولة واسع النطاق والممنهج على السكان الفلسطينيين، ويمثل جريمتي "السجن" أو غيره من أشكال الحرمان القاسي من الحرية الجسدية "والتعذيب" وهما من الجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري"-ومع ذلك فإنّ سلطات الاحتلال تواصل جرائمها الممنهجة دون أدنى اعتبار لما أقره القانون الدوليّ
3-أعداد الأسرى قبل الحرب على غزة "معطيات وأرقام"
بحسب التقارير الحقوقية وهيئة شؤون الأسرى بلغ عدد إجمالي الأسرى في السجون أكثر من (5250) قبل السابع من أكتوبر، وعدد الأسيرات (40)، فيما بلغ عدد الأطفال في السجون (170)، وعدد الإداريين نحو (1320).
4-أعداد الأسرى حتى نهاية عام 2024
يبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال أكثر من 10400 أسير وذلك حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2024، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين (3428) من بينهم (100) طفل على الأقل، و(22) أسيرة، كما ويبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة (بالمقاتلين غير شرعيين) الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال (1772)، علما أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
ويبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهنّ (89) أسيرة، من بينهن أربع أسيرات من غزة معلومة هوياتهن وهن في سجن (الدامون)، فيما يبلغ عدد المعتقلات إدارياً (22)، علما أن عدد الأسيرات المذكور لا يشمل كافة الأسيرات من غزة، قد يكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال.
ويبلغ عدد الأطفال ما لا يقل عن (300) طفل موزعين على سجون (مجدو، عوفر، والدامون) ، وهذا العدد لا يشمل أطفال غزة الذين يقدروا بالعشرات.
5-الاعتقال الإداري
شكّل الاعتقال الإداري سياسة ممنهجة للاحتلال الإسرائيلي طيلة عقود شملت أيضا الأسرى السابقين، وهو ما دفع الحركة الأسيرة إلى خوض إضرابات عن الطعام ومقاطعة المحاكم تنديدا بهذه السياسة.
تُعرّف منظمات حقوقية تعنى بشؤون الأسرى الاعتقال الإداري الذي تستخدمه سلطات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين بأنه اعتقال شخص ما بأمر من القادة العسكريين وبتوصية من المخابرات بعد جمع مواد تصنف بأنها "سرية".
وتقول المنظمات الحقوقية إن الاحتلال الإسرائيلي يلجأ من خلال الاعتقال الإداري لاعتقال المدنيين الفلسطينيين من دون تهمة محددة ومن دون محاكمة، مما يحرم الأسير ومحاميه من معرفة أسباب الاعتقال، ويؤدي غالبا إلى تجديد أمر الاعتقال الإداري بحقه مرات متتالية.
ويمارس الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقال الإداري -الذي استنسخته من الانتداب البريطاني- منذ احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، وبذلك فإن الكيان الإسرائيلي يعد الوحيد الذي لا يزال يعمل بالاعتقال الإداري.
وحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن سلطات الاحتلال استخدمت هذه السياسة بشكل متصاعد منذ السنوات الأولى لاحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
وسُجلت إلى حدود عام 2014 أكثر من 50 ألف حالة اعتقال إداري من بين أكثر من 805 حالات اعتقال، حسب معطيات وزارة شؤون الأسرى.
وخلال سنوات الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 وحتى عام 1994 صدر نحو 19 ألف أمر اعتقال، وكان العدد مشابها تقريبا خلال سنوات الانتفاضة الثانية من عام 2000 إلى عام 2007، حيث اقترب من نحو 18 ألف حالة.
وشهد عام 2022 العديد من التحولات على صعيد واقع عمليات الاعتقال، فقد أصدر الاحتلال 2409 أوامر اعتقال إداري، وبقي منهم نحو 850 رهن الاعتقال الإداري؛ وهو الأعلى منذ أكثر من 10 أعوام.
ومن بين هؤلاء 19 طفلا تعرضوا للاعتقال الإداري، وبقي منهم 7 أطفال رهن الاعتقال الإداري، وأسيرتان.
وينتهج الاحتلال سياسة الاعتقال الإداري للأسرى السابقين، فقد حول العام الماضي 43 مقدسيًا للاعتقال الإداري، علما أن الاحتلال جدد لبعض الأسرى الاعتقال الإداري أكثر من مرة.
ومع إمعان قوات الاحتلال في اعتقال المزيد من الفلسطينيين إداريا، اضطر الأسرى للقيام بخطوات نضالية عدة، منها مقاطعة المحاكم العسكرية الإسرائيلية والإضراب عن الطعام.
وفي عام 2022، خاض 75 أسيرًا عدة معارك للأمعاء الخاوية احتجاجا على عدة إجراءات تعسفية، ومعظمها كانت إضرابات ضد الاعتقال الإداري.
ومن أطولها إضراب الأسير خليل عواودة الذي استمر 172 يوما، وتعمد الاحتلال توجيه تهمة جديدة له للاستمرار في اعتقاله والتنصل من الاتفاق.
6-صفقات التبادل
أبرز صفقات تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال
تاريخ صفقات تبادل الأسرى هو جزء أصيل من مسيرة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وفي كل لحظة يتجدد فيها الصراع تلعب هذه الصفقات دورًا حاسمًا في تحديد ملامح الأمن والسياسة، وذلك من أول صفقة في عام 1968 إلى صفقة وفاء الأحرار (شاليط) 2011، حتى الصفقة الحالية التي دخلت حيز التنفيذ الأحد ١٩ يناير ٢٠٢٥.
وكانت هذه الصفقات شاهدة على توازنات معقدة، تثير جدلًا كبيرًا، خاصة في ظل تأثيراتها الأمنية والسياسية بعيدة المدى، وسجل التاريخ عشر صفقات بارزة شكلت محطات مفصلية في تاريخ النضال الفلسطيني.
تاريخ صفقات تبادل الأسرى
بدأت صفقات تبادل الأسرى بعد النكبة عام 1948، حينما اشتعلت الحروب بين الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ونتج عنها أسر آلاف الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال، مقابل أسرى إسرائيليين لدى الدول العربية والمقاومة.
بلغ إجمالي صفقات التبادل بين 1948 و2011 نحو 38 صفقة، أطلقت خلالها المقاومة والدول العربية آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب، في مقابل عدد محدود من الجنود الإسرائيليين، وفي التقرير التالي نركز على الصفقات العشر الكبرى للمقاومة الفلسطينية:
1- صفقة 1968 .. البداية
في يوليو 1968، نفذت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أول عملية خطف طائرة إسرائيلية، وطالبت بالإفراج عن 37 أسيرًا فلسطينيًا مقابل إطلاق سراح الركاب، ونجحت الصفقة وشكَّلت نقطة تحول في النضال الفلسطيني.
2- صفقة 1969.. تصعيد المطالب
في أغسطس 1969، اختطف الفلسطينيان سالم العيساوي وليلى خالد من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" طائرة أمريكية أقلعت من لوس أنجلوس بالولايات المتحدة إلى تل أبيب، وأرغما الطيار على التحليق فوق فلسطين التاريخية، ثم توجهت الطائرة إلى سوريا وهبطت في دمشق، وانتهت الصفقة بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وطيارين سوريين.
3- صفقة 1971.. أول تبادل رسمي
نفذت حركة "فتح" صفقة تبادل أسير مقابل أسير في يناير 1971، أُفرج بموجبها عن محمود بكر حجازي، أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية، مقابل الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز.
4- صفقة "الليطاني".. 1979
في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، أسرت الجبهة الشعبية جنديًا إسرائيليًا، وأُفرج عنه في مارس 1979، مقابل 76 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 12 فتاة.
5- صفقة 1983.. تحرير الآلاف
أسرت المقاومة الفلسطينية 8 جنود خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتمت الصفقة في نوفمبر 1983 وأُطلق خلالها سراح 4700 أسير من "معسكر أنصار" في الجنوب اللبناني، و65 آخرين من السجون الإسرائيلية.
6- صفقة "الجليل".. 1985
وُصِفت بأنها الأضخم حتى ذلك الحين، أُطلق خلالها سراح 1155 أسيرًا فلسطينيًا وعربيًا، بينهم الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحركة حماس ومؤسسها، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين.
7- صفقة 1991 .. الجندي الدرزي
بعد سنوات من المفاوضات، أُعيدت جثة الجندي الدرزي سمير أسعد الذي كان يعمل مترجمًا في الخدمة الدائمة لدى جيش الاحتلال في سبتمبر 1991، مقابل السماح بعودة أحد مبعدي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهو النقابي علي عبد الله "أبو هلال" من "أبو ديس"، الذي أبعدته سلطات الاحتلال عام 1986.
8- صفقة "الحرائر".. 2009
في صفقة محدودة، أفرج الاحتلال عن 20 أسيرة فلسطينية في أكتوبر 2009، مقابل شريط فيديو يظهر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بصحة جيدة.
9- صفقة وفاء الأحرار "شاليط".. 2011
تعد هذه الصفقة من أعظم إنجازات المقاومة الفلسطينية، فبعد أكثر من خمس سنوات من أسر شاليط، نجحت "حماس" عبر الوسيط المصري في تحرير 1027 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم قيادات بارزة منهم يحيى السنوار الذي أصبح قائدا لحركة حماس في غزة واستشهد خلال الحرب على غزة.
10 - صفقة 7 أكتوبر
خلال نوفمبر 2023، اتفقت دولة الاحتلال وحركة حماس على وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، وإطلاق سراح 240 أسيراً فلسطينياً، 107 منهم أطفال، وفي المقابل أطلقت حماس سراح 105 مدنيين، من بينهم 81 شخصًا إسرائيليا و23 تايلانديًا وفلبينيًا واحدًا.
وفي يناير الجاري، تمكنت جهود الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، من التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد حرب ضروس خلفت نحو ما يقارب 50 ألف شهيد فلسطيني، مقابل إنهاء قضية المحتجزين الإسرائيليين في غزة، واطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
خلاصة
تمثل قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عنواناً بارزاً للصراع المستمر بين شعب يسعى إلى التحرر وبين احتلال يسعى لفرض الهيمنة عبر الاعتقال والقمع، ويعاني الأسرى داخل السجون الإسرائيلية من ظروف اعتقالية قاسية وغير إنسانية، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، الإهمال الطبي، والحرمان من أبسط الحقوق التي كفلتها القوانين الدولية.
ويعكس صمود الأسرى إرادة الشعب الفلسطيني الراسخة في وجه الاحتلال، حيث باتوا رمزاً للحرية والنضال الوطني.
في مقابل هذه المعاناة، تواصل المقاومة الفلسطينية العمل بكل السبل الممكنة لتحرير الأسرى، من خلال المعارك الميدانية والسياسية، وآخرها نجاحها في معركة "طوفان الأقصى"، التي فرضت معادلات جديدة على الاحتلال رغم استخدامه آلة عسكرية غير مسبوقة في حرب الإبادة على قطاع غزة.
ورغم الدمار الهائل والخسائر البشرية الفادحة، أثبتت المقاومة صلابتها وصمودها، ونجحت في إجبار الاحتلال على الرضوخ خلال جولات تفاوضية مضنية انتهت بإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار، يتضمن تبادلاً للأسرى على مراحل متعددة.
هذا الإنجاز لا يمثل فقط نصراً للمقاومة، بل يعزز مكانة الأسرى كقضية مركزية للشعب الفلسطيني، ويؤكد أن التمسك بالثوابت الوطنية والعمل المتواصل قادران على تحقيق اختراقات نوعية في مواجهة الاحتلال، كما يبعث برسالة إلى العالم بأن إرادة التحرر الفلسطيني أقوى من محاولات القمع، وأن الشعب الفلسطيني، بمقاومته وصموده، لن يتوقف حتى ينال حريته الكاملة.
توصيات المركز
١- تكثيف الجهود الدبلوماسية، لطرح قضية الأسرى بشكل دائم على أجندة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية.
٢- تقديم ملفات قانونية مفصلة توثق الانتهاكات بحق الأسرى إلى الهيئات الدولية، والتركيز على القوانين الإسرائيلية العنصرية المخالفة لاتفاقيات جنيف.
٣- إنشاء تحالف دولي يضم دولاً ومنظمات حقوقية وأفراداً مؤيدين للقضية الفلسطينية بهدف الضغط على الحكومات، خاصة في أوروبا وأمريكا، لإدانة ممارسات الاحتلال.
٤- الاستفادة من العلاقات مع الدول الصديقة والداعمة لفلسطين، مثل دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، لتحريك مواقف حازمة تجاه قضية الأسرى.
٥- توحيد الجهود بين الفصائل الفلسطينية المختلفة لتبني استراتيجية موحدة بشأن قضية الأسرى، ما يساهم في تقوية الموقف السياسي والوطني أمام المجتمع الدولي.
٦- إبراز قضية الأسرى كقضية وطنية جامعة تفوق الخلافات الداخلية، والعمل على تعزيز التعاون بين المؤسسات الفلسطينية المعنية بهذا الملف.
٧- تنظيم حملات إعلامية مستمرة تسلط الضوء على معاناة الأسرى وظروف اعتقالهم، من خلال مقاطع فيديو، قصص إنسانية، وإحصاءات دقيقة.
٨- الاستفادة من الأحداث الكبرى، مثل إنجاز صفقات التبادل، لتكثيف التركيز الإعلامي وجذب اهتمام الرأي العام العالمي.
٩- التعاون مع الصحفيين والناشطين الدوليين لنشر تقارير وأخبار عن الأسرى في وسائل الإعلام العالمية.
١٠- استثمار وسائل الإعلام البديلة ومنصات التواصل الاجتماعي لنقل الرواية الفلسطينية بشكل مباشر وبأسلوب مؤثر.
١١- التركيز على القصص الشخصية للأسرى وعائلاتهم، مثل معاناة الأسرى الأطفال والأسيرات، لجذب تعاطف المجتمع الدولي.
١٢- تكثيف استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتشكيل ضغط دولي، من خلال تنظيم حملات عبر هاشتاغات موحدة باللغات المختلفة.
١٣- إنتاج أفلام وثائقية قصيرة ومؤثرة توضح معاناة الأسرى وظروفهم، ونشرها عبر منصات الفيديو مثل "يوتيوب" و"تيك توك".